من “أنفكو” إلى سيدي يوسف بن علي على درب “زينة فارسة الأطلس”

من منا لم تتح له فرصة مشاهدة لقطات من فيلم “زينة فارسة الأطلس” أو “زينة الحربية” بلغة جامع الفنا، لكن لا أحد كان يتصور أن مقطعا من الفيلم سيؤثث مقالا حول أنفكو التي أراد لها البعض أن تعود للواجهة الإلكترونية بقلم من محبرة الراحلة لوجورنال، فكل دول المعمور تعرف معاناة مضاعفة لسكان المناطق الجبلية في فصل الشتاء، لكن المغرب وحده الذي يجب أن يحاسب الجميع و على كل المستويات من أجل قساوة الطقس.

كثيرون يتحدثون بغيرة من يريد رفع المعانات عن شعبنا في المناطق المعزولة من أجل التخفيف من معاناتهم، لكن البعض وفي مقدمتهم “لهم” الشاردة لا يهمها من معاناة شعبنا إلا التبشير بالذي لن يأتي، ولا يريدون لجثتهم أن تكون شرارة لها، بل يريدون أن يحتفظوا بقاماتهم وأفواههم لما بعد الشرارة حتى يكونوا ممثلين لشعب لم يكونوا يتصورون يوما أنه مل كلامهم وفهمهم للأشياء، لأن الذين خذلوه من قبلهم كثر، وهو يريد أن يعيش في ظروف أحسن و ليس من أجل تحسين ظروفهم هم وتحسين مداخيلهم.

من أجل مواجهة البرد وصعوبة التبضع في “أنفكو” أو في كل القرى المنعزلة في الجبال، حيث يتشبث بالحياة جزء من شعبنا، يحتاج الناس أولا وأخيرا إلى حطب التدفئة والملبس المناسب والأكل المناسب، وهي أشياء متوفرة في السوق ولكن لا قدرة للبعض من شعبنا على اقتنائها، فقبل أكثر من عامين وباعة الكلام وغيرهم يتحدثون عن أنفكو وغير أنفكو ويتحدثون عن التضامن مع أنفكو، لكن لا يوجد في الميزانية العامة فصل واحد قد يتحدث عن إطعام أو كساء أو تدفئة أهل أنفكو أو غيرهم من أهل المناطق الجبلية، لأنه لا توجد دولة واحدة في العالم تقر في ميزانيتها فصولا لإطعام وكساء وتدفئة شعبها في بعض فصول السنة. قد تتحمل السلطات العامة بناء المستشفيات وشق الطرقات من أجل فك العزلة وتوفير الدواء في المشافي العمومية، و تهب لإنقاذ من حاصرته الثلوج كما يحدث في بعض الأحيان عندما يتم تجنيد مروحيات الدرك الملكي من أجل إسقاط ما تيسر من الأغطية و الطعام للمحاصرين بالثلوج في أعالي الجبال، و هو عمل لا يتم بشكل آلي لفائدة مجموع ساكنة الجبال لكن ينحصر فقط في فئة المحاصرين في أعالي الجبال و هو تدخل محدد الزمان و المكان.

وككل عام وفي عز الشتاء يتذكر بعضنا بعضا من شعبنا في الجبال، فمنهم من يتذكرهم ويهب لنجدتهم، وفي كثير من الأحيان لا يعلم الرأي العام الوطني عن بدل الناس وعطائهم مشكورين في صمت لأنهم يريدون ثواب العمل وليس منته الإعلامية، ومنهم من يريد أن يذكرنا بأنفكو كل عام لأنها أصبحت علامة تجارية وماركة مسجلة يحتكرها لنفسه مشفوعة بمقاطع فيديو بهدف واحد و وحيد، تسفيه جهود الناس.

أنا أعرف واحدا من الذين يودون احتكار العلامة التجارية أنفكو لنفسه، يقول أنه زار المنطقة وسجل فيديو عن معاناة الناس ويعرف الكثير من ذوي الأرصدة ولم يتطوع يوما لحمل قفة أو غطاء أو حطب تدفئة للذين يكتب عنهم كل عام، وقد ينال يوما جائزة أحسن إنشاء عن منطقة جبلية محاصرة بالثلوج و حتى عندما يلجأ إلى أصحابه في الخارج فهو لا يبحث إلا عن نفسه حتى تستمر العلامة التجارية في إنتاج نفس الخطاب الإعلامي، و حتى عندما أتيحت له الفرصة للحصول على رصيد مهم من العملة الصعبة من هولندا لم يقتطع منه حتى عشره كزكاة لأهل أنفكو، بل أصر على صرفه في العاصمة و لياليها الدافئة مشروبا و محيطا و مع ذلك يملك الجرأة كل عام و يبحث عن صورة تعكس المعاناة، و لم يجد هذا العام مع بداية فصل الصقيع سوى صورة من فيلم زينة فارسة الأطلس لكي تتربع على أكتاف مقاله الذي لا يكلف إلا نصف ساعة من كتابة اللغو الذي يفيد كل شيء إلا مصداقية الإنسان مع نفسه.

شعبنا في الجبال بحاجة إلى الحطب وشعبنا في سيدي يوسف بن علي ليس في حاجة إلى الحطب، فقد شاءت المدنية أن يصله الماء والكهرباء إلى منزله ولأن الماء والكهرباء ليسوا مشاعا إلا لقاء دراهم يعدها العداد، فقد تطوع الذين أسلموا ولم يسلم انتماؤهم إلى المواطنة من أجل جر الناس إلى الشوارع لاستخدام الحق في تعطيل العداد حتى لا يعد و لا يحصي ما استهلكه كل واحد منا من ماء و كهرباء و تنهار الوكالة التي تشتري الماء و الكهرباء و تؤدي مسبقا إلى المنتج قبل أن تتكلف بتوزيعه و صيانة شبكة توزيعه و صرف العادم منه في المجاري ليعيش الناس بعيدا عن الأوبئة و الطاعون.

لكن صديقنا حتى قبل أن يبدأ الركض في شوارع سيدي يوسف بن علي بدأ يتحدث عن ثورة و عن قتلى لأنه يعشق الجثث فلا بد له و لصحبه من جثت، فهي وحدها العملة الصعبة لضمان المرور في قنوات الدم و الأشلاء و الخراب و الدموع و المقابر حتى يحقق ذاته، لكن ككل مرة سقطت الأمنية التي ظل يمني بها النفس طوال شهور و كلف نفسه يومي 28 و 29 دجنبر أن يظل مسمرا ينتظر “هاهي بات تشعل” “هاهي غادة تشعل” “هاهي ما بات تشعل” إلى أن تيقن بأنها طافية أصلا و أن المطالب الاجتماعية للناس عندما تكون معقولة فالجميع يتجند من أجل الدفاع عنها، و عندما تكون آتية من عقلية الريع فلن يدافع عنها على الأرض إلا الذين أسلموا و لم تسلم مواطنتهم و كمشة من ذوي السوابق الذين يريدون الإنقضاض على أموال الناس بالباطل.

لكن عمى الألوان جعل الباطل حقا، فمن حق الناس أن تستفيذ من الماء و الكهرباء مجانا على الرغم من أن المشكل مطروح منذ عام تقريبا، و قدمت وكالة التوزيع كل التسهيلات من أجل إعادة جدولة الفواتير غير المؤداة و لم تعمد إلى تعليق تزويد المواطنين بالماء و الكهرباء، لكن الذين أسلموا و لم تسلم مواطنتهم آثروا أن يمنعوا حتى الميسورين منهم من أداء الفواتير المستحقة و عمدوا إلى إقفال الوكالات المكلفة بالإستخلاص. إنه سلوك المواطنة التي يؤمن بها الصغير ولد باه و صحبه و الذي إستعان فيه بصور قديمة لأحداث جرت بمراكش من قبل، حتى قبل أن تبدأ الإحتجاجات الحالية في دجنبر.

المواطنة تعني أولا و أخيرا إحترام شروط الإستفادة من الخدمة العمومية و المساواة بين المواطنين في تحمل واجبات الإستفادة و إحترام حق الآخرين في القيام بواجب المواطنة ماداموا ليسوا في وضعية عسر، أو أن التسويات المطروحة تشجعهم على أداء المتأخرات من فواتيرهم.

المواطنة لا يتم التمييز فيها بين مواطنة مع الدولة و مواطنة ضد الدولة، فالمواطنة مواطنة لا علاقة لها بمن يسير الشأن العام سواء كان إشتراكيا أو ليبراليا أو إسلاميا أو غيره.

إن الذين يدفعون اليوم حكومة بن كيران إلى التفكيك السريع لصندوق المقاصة و توجيه جزء من ميزانيته إلى الفئة المعدومة مع ما يترتب عن ذلك من تداعيات حقيقة الأسعار على القدرة الشرائية لصغار الموظفين و الأجراء و الطبقة المتوسطة، يعرفون أنهم يستغلون الحس الإجتماعي المرهف لجزء من الحكومة لجرها جرا إلى متاهة حقيقة الأسعار بما لها و ما عليها، لأن السؤال المطروح هو ماذا يستفيذ الأجراء الذين لا يحصلوا إلا على الحد الأدنى من الأجور من إعادة توظيف ميزانية صندوق المقاصة؟ فمن أنفكو إلى سيدي يوسف بن علي نجد نفس السمايرية يبحثون عن “الشعالة” بين الصقيع في الأطلس و مدفئات مراكش، غير أن شعبنا في الأطلس أظهر أنه بالعزة يعيش و بها يواجه قساوة الطبيعة و يعيش عزلته بكل أنفة حتى و لو ترصده السمايرية، لأنهم سمايرية لا يعيشون إلا في الحواضر حيث الدفىء  و اللقمة الساخنة و الأقبية المضيئة و المشروبات التي تضمن حيوية الجسد،  أما التضامن مع أهلنا في الجبال فهو عزيز عليهم و لا يستطيعونه إلا لغوا حتى يضمنوا لأنفسهم إحتكار العلامة التجارية، لكن زينة الحقيقية في الأطلس تستعصي عليهم كما استعصى عليهم  من قبل موحى و حمو الزياني و الحنصالي و غيرهم من سادة الجبال بعيدا عن لغو و حسابات الذين يعيشون في الأراضي المنخفضة داخل المغرب و خارجه.

و كل عام و أنفكو و سيدي يوسف بن علي بخير أما حمالة الحطب أكان للتدفئة أم لغير التدفئة فناره لن تطال إلا جلابيبهم، لأن المغرب يستعصي على التركيع حتى تناله حسابات أهل الحطب.

حمو واليزيد الأكوري

Read Previous

خرجة لـ”فرانس فواتبول “: مبررات الطاوسي واهية وهو شخص يفتقر إلى الشجاعة

Read Next

الدولي المغربي نور الدين أمرابط يرفض عرضا من نادي روما الإيطالي