بقلم: أحمد الشرعي
يستدعي الوزير الأول الإسباني بيدور سانشيث في كل مرة يخاطب فيها رسميا المسؤولين المغاربة بعمق العلاقات التي تجمعنا بالجارة الشمالية، لكن واقع الحال يثبت أنه فشل في تكريس معنى هذا العمق على كل المستويات. فالعلاقة بين البلدين لا يمكن أن تسوء أكثر مما هي عليه الآن، ومحكومة بأن تعود لطبيعتها بعد مدة، لأن مصالح الشعبين تفرض استدامة الانفراج.
اختارت حكومة سانشيث ‘‘الجمود‘‘ في تعاملها مع قضية الصحراء. فبعد الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على صحرائه، تحركت الديبلوماسيات الأوروبية، ولو عبر الكواليس، من أجل الضغط على حكوماتها لاعتماد الحكم الذاتي الموسع في إطار السيادة المغربية. بالمقابل لم نسمع صوتا لإسبانيا، التي تعلم جيدا بحكم أنها كانت القوة الاستعمارية السابقة في المنطقة، أن المغرب رفض مشروع فرانكو في إقامة دويلة في الصحراء حتى قبل ولادة البوليساريو بسنوات.
مدريد تعلم جيدا أنها لم تستعمر أرضا خلاء، وأن سكان الصحراء عاشوا قرونا تحت كنف المؤسسة الملكية عبر رباط البيعة.
الصحراء كانت دائما أرضا مغربية وقبل الاستعمارين الفرنسي والإسباني. في زمن الحماية الإسبانية شمال المغرب، كانت تطوان عاصمة للصحراء.
وجه الغرابة سرعان ما ينتفي حول هذه الحقيقة التاريخية إذا علمنا أن الخليفة والقايد والقاضي الذين كانوا يسيرون أمور الناس في طنجة أو تطوان، كان لديهم مساعدون أو ‘‘مرؤوسين‘‘ في طرفاية أو العيون، وكانت التعيينات تخرج من ديوان السلطان. حقيقة تاريخية أخرى تؤكد قدم العلاقة العضوية بين الأقاليم الجنوبية والمؤسسة الملكية.
لم يحرك سانشيث ساكنا، لأنه يضع يده في يد حليف مزعج للغاية هو حزب بوديموس، وهو واقع سياسي يفرض عليه أحيانا أن يخفي الشمس بالغربال.
حكاية ابراهيم غالي تثير الكثير من التساؤلات، وككل إنسان له الحق في العلاج، غير أن السلطات الإسبانية وبقبولها لدخوله إلى ترابها باستعمال جواز سفر مزور يعتبر ضربا لدولة الحق، مع أنها تعلم جيدا أن ابراهيم غالي كان قد استدعي في 19 نونبر 2016 لتقديم شهادته حول التهم الموجهة إليه مع عدد من قيادات البوليسارية في الملف القضائي المفتوح أمام المحكمة الوطنية في إسبانيا العام 2012.. لكنه لم يحضر أبدا. تهم تتعلق بالإبادة والقتل والضرب والجرح والتعذيب والإرهاب والاغتصاب والاحتجاز القسري والاختفاء.
يتعلق الأمر إذن بسابقة خطيرة تمس مصداقية الحكومة الإسبانية، وتضر بصورة المؤسسة القضائية في إسبانيا، وتضع سانشيث أمام مسؤولياته في الإجابة على تساؤلات الشارع الإسباني. على الجانب الاقتصادي، لا شيء يتحرك أيضا في إسبانيا، الازمة الصحية أرخت بثقلها على دينامية الاقتصاد، وغياب الرؤية السياسية لدى الحكومة الحالية أثر بشكل مباشر على التبادل التجاري لمدريد، ما ينعكس على عالم المال والأعمال.
علامات عمق الأزمة في إسبانيا جراء جمود حكومة سانشيث لم تترجمها سوى المجموعة البرلمانية للحزب الشعبي التي ناشدت السلطات الإسبانية بالتحرك السريع من أجل عقد اجتماع للجنة العليا المغربية الإسبانية. في نفس السياق، نواب الحزب الشعبي يذكرون سانشيث بالدور الذي عليه أن يلعبه في قضية الصحراء كما يعيبون عليه تأخره في التداول مع الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي أجرى مباحثات مع 23 رئيس دولة منذ توليه الرئاسة. مخاوف المجموعة البرلمانية تتفاقم مع التساؤلات التي تطرحها حول فقدان إسبانيا لتأثيرها إقليميا وعالميا.
الجمود الإسباني يغذي الحركات المتطرفة، ويضرب بعمق في متانة علاقات التعاون التي تجمع الأجهزة الأمنية في البلدين معا، والتي جنبت إسبانيا في مرات عديدة حمامات دماء، يتذكرها الجميع باستثناء سانشيث.
وحتى بعيدا عن هذه القضايا الكبرى، وفي مواقف أقل حدة لا يبدو الوزير الأول الإسباني في مستوى الحدث. فقد قابلت مدريد ببرود كبير تقنين المغرب لأسباب صناعية وعلاجية زراعة القنب الهندي، لتحسين ظروف ومستوى عيش المزارعين في الريف وإبعاد شبح مافيات الاتجار فيه، في وقت كنا نتوقع احتفاء مدريد بهذا التقنين الذي سيعود بالنفع أيضا على الشركات الإسبانية.
لقد دافعت عن وحدة إسبانيا عندما تهددها خطر الانفصال الكاتالاني، وإن كان يحظى بدعم كبير لدى الناخبين وفي أوساط الإعلام الإسباني.. لكن مساندة حركة انفصالية تتهدد استقرار المغرب لا يمكن أن أقبله مطلقا.
(عن موقع: أحداث. أنفو)