اكورا بريس
بعد تلقيها انتقادات من جمعيات نسائية غاضبة مباشرة بعد صدور مذكرة عن المندوبية السامية للتخطيط حول العنف ضد الرجال في المجتمع المغربي، والتي اعتبرتها منظمات مدافعة عن حقوق المرأة أنها تنطوي على تمييز، عادت مندوبية لحليمي لتقدم معطيات جديدة حول الاختلافات الرئيسية المتعلقة بتجليات العنف عند النساء والرجال، من أجل فهم أفضل لظاهرة العنف بمختلف مجالاتها وأشكالها.
المندوبية السامية للتخطيط استهلت مذكرتها بالإشارة إلى أن النساء هن ضحايا للعنف أكثر من الرجال في جميع فضاءات العيش وبمختلف أشكاله، وأن الفضاء الزوجي هو الفضاء المعيشي الأكثر اتساما بالعنف بالنسبة لكل من النساء والرجال، ذلك أن 53 في المئة من أشكال العنف التي تتعرض لها النساء، و39 في المئة من مثيلاتها لدى الرجال، مرتكبة من طرف الشريك (ة) الحميم (ة).
وأكدت المندوبية أن النساء هن الأكثر عرضة للعنف، حيث يصل الفارق بين معدلات انتشار العنف الذي تتعرض له المرأة والرجل إلى 13 نقطة بالنسبة للعنف الاقتصادي، و12 نقطة بالنسبة للعنف الجنسي، و10 نقاط بالنسبة للعنف النفسي، ونقطتين بالنسبة للعنف الجسدي.
وبخصوص الفارق بين معدلات انتشار العنف الذي يتعرض له الجنسان، فإنه يصل إلى 16 نقطة في الفضاء الزوجي، و11 نقطة بالنسبة لمؤسسات التعليم والتكوين، و7 نقاط في الفضاء العائلي، و3 نقاط في الأماكن العامة، بينما في أماكن العمل يفوق معدل انتشار العنف بين الرجال بنقطة واحدة معدل انتشار العنف بين النساء.
واستنادا إلى المعطيات التي قدمتها المندوبية السامية للتخطيط، فإنّ هناك فوارق كبيرة بين أشكال العنف النفسي الذي تعاني منه النساء والرجال في مختلف فضاءات العيش، حيث يتجلى العنف الذي يعاني منه الرجال داخل السياق الزوجي غالبا في شكله النفسي؛ إذ يمثل 94٪ من مجموع أشكال العنف الذي يتعرضون له، أما العنف الممارس ضد النساء فيتوزع على أشكال مختلفة؛ 69٪ نفسي، 12٪ اقتصادي، 11٪ جسدي، 8٪ جنسي.
وبحسب المصدر نفسه، فإنّ هناك “وعيا ذكوريا بأن المرأة أكثر عرضة للعنف” في المجتمع المغربي، حيث يُنظر إلى النساء على أنهن الفئة الاجتماعية الأكثر عرضة للعنف من قبل 42٪ من الرجال، بينما ينظر إلى فئة الرجال على هذا النحو من قبل 6٪ فقط.
وتشير المعطيات الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط إلى أن 55 في المئة من الرجال لديهم تصور بأن العنف ضد المرأة ازداد خلال السنوات الخمس الأخيرة، بينما نسبة الذين اعتبروا أن العنف ضد الرجال ازداد فتبلغ 49 في المئة، كما يعتقد 64٪ من الرجال أن العنف الجنسي قد ازداد ضد النساء.
وبخصوص أسباب العنف في الفضاء الزوجي، تصدّر الفقر والصراعات ذات الطابع المادي وانعدام التواصل قائمة الأسباب، حيث يعزي الرجال حدوث العنف، قبل كل شيء، إلى العوامل المادية والاجتماعية والاقتصادية كالفقر وبطالة الشباب، وكذلك إلى “العوامل العلاقاتية”، بما في ذلك مشاكل التواصل.
وتُذكر الصراعات ذات الطابع المادي كأسباب رئيسية لحدوث العنف من قبل 39٪ من الرجال الحضريين، أما في الوسط القروي، فيُشار إلى الفقر بالدرجة الأولى من قبل 44٪ من الرجال، بحسب معطيات مذكرة المندوبية السامية للتخطيط.
وأضاف المصدر نفسه أن الصراعات ذات الطابع المادي والفقر يمثلان “عوامل الخطر الرئيسية للعنف الزوجي بالنسبة لأكثر من 74٪ من الرجال (73٪ في الوسط الحضري و77٪ في الوسط القروي)”، بينما يعزي أكثر من 6٪ من الرجال حدوث العنف الزوجي إلى مشكل التواصل؛ 9٪ بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة وكذلك بين الرجال الحاصلين على مستوى تعليمي عال.
وخلصت المندوبية السامية للتخطيط إلى أن تحليل تصورات الرجال للعنف يكشف، بشكل عام، وجود فجوة بين تجربة الرجال وتصورهم لفضاء العيش الأكثر اتساما بالعنف وشكل العنف الأكثر انتشارا، فإذا كان الفضاء الزوجي والشكل النفسي يسجلان أعلى معدلات لانتشار العنف، فإنه يُنظر إلى الأماكن العامة كالمجال الأكثر تميزا بالعنف والعنف الجسدي كالشكل الأكثر شيوعا.
وبالإضافة إلى ذلك، يتابع المصدر نفسه، فعلى الرغم من الوعي الذكوري بتعرض المرأة للعنف، فإن تحليل تصورات الرجال للأدوار الاجتماعية وعلاقات السلطة بين الزوجين، يعكس استمرار النموذج التقليدي لتقاسم الأدوار بين الرجل والمرأة في إطار الزواج، وحق الزوج في الإساءة أو ضرب زوجته لأي خطأ.
وتكشف هذه التصورات الذكورية أيضا أن الرجال يعتبرون العنف الزوجي شأنا خاصا بين الزوجين لا يجب الإفصاح عنه، لا سيما بين الرجال القرويين والأقل تعلما والأكبر سنا، وهو ما اعتبرته المندوبية السامية للتخطيط “عامل خطر رئيسي للعنف الذي من شأنه أن يساعد على ارتكاب واستمرار العنف ضد المرأة”.