إعداد: رضوان البعقيلي (و م ع)
الرباط – طريق التعافي من جائحة كورونا التي طوت سنة 2020 وتأبى الرحيل مع إطلالة العام الجديد، لا يبدو سالكا، على الأقل في الأمد المنظور. فرغم الجهود الكبيرة المبذولة لتخليص البشرية من الوباء اللعين والتي رسمت بشائر أمل غذاها تطوير لقاحات والترخيص لعدد منها، تلوح في الأفق إشكاليات ومطبات من شأنها إعاقة ولوج ملايين الأشخاص في البلدان الأكثر فقرا وهشاشة إلى “الترياق الموعود”، وفي مقدمتها نزعة “الاستئثار” التي تؤدي بالنتيجة إلى انتفاء عدالة التوزيع ، فضلا عن مشكل الندرة الناجم عن التضخم الكبير في الطلب.
وتعيد “نزعة الاستئثار” باللقاح التي تطبع سلوك العديد من الدول، خاصة تلك التي طورت اللقاحات أو التي تتوفر على إمكانيات مالية كبيرة، إلى الأذهان الوضع الذي عاشه العالم مع بدء تفشي الجائحة فيما عُرف ب”أزمة الكمامات” ، حيث تهافتت البلدان المقتدرة بشكل خاص على اقتنائها بكل السبل المتاحة، محكمة منطقا تجاريا صرفا، تحول فيه دبلوماسيوها إلى وسطاء وسماسرة يطاردون الشحنات في الموانئ والمطارات ومواقع التصنيع.
ويبدو في حمأة التنافس لحجز أكبر كمية من إمدادات اللقاح أن هذا السلوك مايزال مستحكما على الرغم من تعالي الأصوات المطالبة بالاتعاظ من دروس سنة 2020 واعتماد آليات منصفة تضمن حق البلدان الضعيفة والنامية في الاستفادة من اللقاحات المتوفرة بشروط ميسرة.
ووفق أحدث البيانات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية، حصل على مدى 36 يوما نحو 28 مليون شخص على جرعة من أحد اللقاحات المضادة لكوفيد-19 في نحو 46 دولة حول العالم، بينها دولة واحدة منخفضة الدخل.
ووعيا بمساوئ وانعكاسات المقاربات الأحادية في تدبير أزمة تفشي الوباء الذي انتشر كالنار في الهشيم في مختلف بقاع المعمور ، توالت مناشدات ونداءات منظمة الصحة العالمية الموجهة للمجتمع الدولي من أجل التعاون والتعاضد في سنة 2021 “لمواجهة جائحة كوفيد-19 كأسرة واحدة، وضمان توفير اللقاحات للجميع وليس فقط للدول التي يمكن أن تتحمل تكاليفها”.
وفي هذا السياق، قال المدير العام للمنظمة، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، إن الأزمة الصحية ذات الأبعاد التاريخية التي عاشها العالم خلال السنة المنصرمة “تؤكد مدى ارتباطنا العميق ببعضنا البعض”، مبرزا أن التعاون الدولي هو الذي مكن سنة 2020 من إنتاج اللقاحات والتشخيصات والعلاجات.
وشدد على أن “الإنصاف” هو جوهر المبادرة التي أطلقتها المنظمة والمتعلقة بتسريع إتاحة أدوات مكافحة كوفيد-19، وذراعها المتعلق باللقاحات “كوفاكس”، الذي عمل على تأمين ملياري جرعة من اللقاحات، داعيا إلى ضمان تمنيع جميع الأشخاص المعرضين للخطر في كل مكان.
ويرى غيبريسوس أن سنة 2020 قدمت دروسا يجب على الجميع أن يستفيد منها، معتبرا أن العالم يواجه خيارا بسيطا وعميقا في نفس الوقت “إما تجاهل دروس 2020 أو السير معا في آخر أشواط هذه الأزمة والتعاون على طول المسار، من تقاسم اللقاحات بشكل منصف، إلى تقديم نصائح دقيقة وتعاطف ورعاية لكل من يحتاج إليها، كأسرة واحدة”.
ولضمان الولوج إلى اللقاحات على أوسع نطاق وبالسرعة المطلوبة، فعلت منظمة الصحة العالمية أول موافقة طارئة لها منذ بدء انتشار فيروس كوفيد-19 ، على لقاح فايزر-بايونتيك. وتتيح هذه الآلية التي تلجأ إليها المنظمة في حالات الطوارىء الصحية للدول التي لا تملك بالضرورة وسائل ذاتية تسمح لها بأن تحدد سريعا فاعلية أي دواء، أن تحصل على وسائل علاج بسرعة أكبر.
كما تتكفل اليونيسف، وفق هذه الآلية ، بقسم كبير من الجانب اللوجستي لتوزيع اللقاحات المضادة لكوفيد- 19 في العالم، فيما تتولى المنظمة الأمريكية للصحة اقتناء اللقاح لتوزيعه على الدول الفقيرة.
وكانت منظمة الصحة العالمية قد حددت هدفا بأن تحصل بحلول 2021 على ملياري جرعة لا تزال في طور الإنتاج لصالح 190 دولة مشاركة في آلية “كوفاكس”، بينها 92 دولة ذات عائدات ضعيفة أو متوسطة. وتتوقع المنظمة أن يتم إرسال أولى شحنات لقاحات مضادة لفيروس كورونا إلى الدول الفقيرة في الربع الأول من العام الجاري.
وإلى جانب الرهان المرتبط بعدالة توزيع اللقاحات ، برز أيضا إشكال آخر يتعلق بمحدودية الطاقة الإنتاجية للقاحات على المستوى العالمي قياسا بالحجم الهائل للطلبات.
فعلى صعيد الاتحاد الأوربي الذي تضررت الكثير من بلدانه من الجائحة، أعلنت المفوضة الأوروبية المسؤولة عن الصحة ستيلا كيرياكيدس مؤخرا ، عن استعداد التكتل لمساعدة شركات الأدوية في إنتاج كمية أكبر من لقاحاتها ضد فيروس كورونا للتغلب على أزمة شح الإمدادات.
وأفادت بأن أي تأخير في الحصول على اللقاحات المعتمدة يعود إلى نقص الطاقة الإنتاجية، مشيرة إلى أن بروكسل قدمت دعما يبلغ 100 مليون أورو لشركة بايونتيك الألمانية، التي طورت لقاحا بالتعاون مع شركة فايزر الأمريكية للمساعدة في تعزيز القدرات الإنتاجية.
وأبدت المسؤولة الأوربية استعداد التكتل للقيام بمزيد من الخطوات لصالح شركة فايزر-بايونتيك والشركات الأخرى التي لديها لقاحات، مع بدء حملات التلقيح.
ولتدارك الخصاص في إمدادات اللقاح، تخوض كبريات شركات صناعة الأدوية سباقا ضد الساعة للرفع من طاقتها الإنتاجية. وفي هذا الإطار، ذكرت شركة “بايونتيك” الألمانية أنها تعمل على الرفع من طاقة إنتاج اللقاح المضاد لكوفيد-19 في أوروبا، بهدف سد الثغرة التي خلفها عدم وجود لقاحات أخرى معتمدة.
وفضلا عن عائقي محدودية الطاقة الإنتاجية واختلال التوزيع، يلقي شبح تحور الفيروس بظلاله على المشهد ، حيث أكد أزيد من 1750 عالما وخبيرا من 124 دولة على أهمية مضاعفة الجهود لاكتشاف وفهم المتغيرات الناشئة عن الفيروس المتسبب بمرض كوفيد-19، وتأثيرها على التشخيص والعلاج واللقاحات في وقت مبكر.
والتأم هؤلاء الخبراء مؤخرا، في منتدى افتراضي استضافته منظمة الصحة العالمية لتوسيع نطاق تعاونها العلمي ورصد متغيرات الفيروس الذي تسبب في جائحة كوفيد-19، ومناقشة الفجوات المعرفية الحرجة وأولويات البحث في المتغيرات الناشئة للفيروس.
وأجمع المشاركون في المنتدى على أهمية إدماج أبحاث المتغيرات الجديدة في جدول أعمال البحث والابتكار العالمي مع تعزيز التنسيق عبر التخصصات، مؤكدين أنه كلما ازداد فيروس سارس-كوف-2 بالانتقال، كلما حصل على فرص أكثر للتغير، مما يعني مستويات عالية من الانتقال وظهور تغيرات أكثر.
ومن المقرر أن تعقد لجنة الطوارئ في منظمة الصحة العالمية اليوم الخميس اجتماعا لدراسة السلالات المتحورة من فيروس كورونا المستجد التي تتسم بكونها شديدة العدوى، لاسيما النسختين اللتين ظهرتا في بريطانيا وجنوب إفريقيا، فيما ستخضع نسخة ثالثة ظهرت في منطقة الأمازون للتحليل لتحديد مدى خطورتها.