الإرهاب.. صداع العالم واختبار لمصداقية المجتمع الدولي

الإرهاب هو استخدام العنف من جانب أفراد وجماعات وتنظيمات سرية لإيجاد حالة من الخوف والهلع لدى المدنيين، تساعد على تحقيق أهداف سياسية للإرهابيين، تتمثل في تقويض أسس المجتمع السياسي والشرعية السياسية للدولة، أو الدول المستهدفة. كارثة الخميس الماضي في مدينة نيس الفرنسية، لا تخرج عن إطار هذا التعريف، وهي مجزرة أودت بحياة ما يقارب التسعين شخصا، وإصابة أكثر من مئة، وجاءت لترفع عدد ضحايا الإرهاب في العالم نحو أرقام كارثية، مقارنة بالعام الماضي، وتضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته إزاء آفة الإرهاب الذي يحصد الأرواح دون هوادة كل يوم، وأكثر من أي وباء آخر عرفته البشرية.
تشير توقعات المراقبين والمنظمات الإنسانية إلى ارتفاع معدلات ضحايا الإرهاب في العالم بشكل كبير خلال العام الجاري، وطبقا للإحصائيات فإن نحو 32700 شخص قتلوا في هجمات إرهابية في جميع أنحاء العالم خلال عام 2014، وهو ضعف عدد ضحايا الإرهاب في عام 2013، وارتفعت وتيرة حصيلة عام 2015، ما يرفع معدلات الضحايا إلى أكثر من 50 في المئة.
وأفادت تقارير ودراسات موثقة أنّ معظم ضحايا الإرهاب من منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، حيث تشكل أعداد الضحايا في كل من العراق وسوريا ونيجيريا وباكستان وأفغانستان، ثلاثة أرباع مجموع ضحايا الإرهاب في العالم، وتظهر الإحصائيات أن تنظيم داعش وجماعة بوكو حرام النيجيرية، مسؤولان عن أكثر من نصف عدد القتلى. وكان العراق البلد الأكثر تضررا، حيث قتل 9929 شخصا جراء عمليات إرهابية، ويعاني هذا البلد أعلى عدد من الهجمات، وأكبر عدد من القتلى جراء العمليات الإرهابية، يسجل بأي بلد على الإطلاق، حسب الدراسات، أمّا الدول الغربية فكانت أقل عرضة للهجمات الإرهابية، لكنها لم تعد كذلك في السنتين الأخيرتين.

كما ارتفعت أعداد الهجمات الإرهابية ضد الدول الغربية منذ سبتمبر 2014، حينما دعا المتحدث باسم تنظيم داعش إلى شن هجمات ضد الدول المشاركة في العمليات العسكرية ضد التنظيم في سوريا والعراق، إلاّ أن معظم هذه الهجمات تم إحباطها على الرغم من ارتفاع أعداد الهجمات التي لم يتم إفشالها.

وتقدر الدراسات المتخصصة الكلفة الاقتصادية للإرهاب بـ52.9 مليار دولار، وهي أعلى كلفة على الإطلاق، وزادت عشرة أضعاف منذ العام 2000.
ضحايا الإرهاب باتوا يفوقون ضحايا الحروب التقليدية عددا، فأحداث 11 سبتمبر أوقعت ثلاثة آلاف قتيل في أقل من نصف ساعة، كما أن عدد ضحايا الإرهاب في سوريا والعراق ومصر وفرنسا وبريطانيا تجاوز العشرات من الآلاف، إضافة إلى الملايين من اللاجئين والمهجرين، ونهب الإرث الثقافي للدول، كما حدث في سوريا والعراق، وتدمير البنية الأساسية للدول التي شهدت وتشهد كوارث الإرهاب.
ووفقا لهذه الإحصائيات، فإنّ الإرهاب يعتبر أحد المصادر الخطيرة التي تهدد السلم والأمن الدوليين، وأضحى الموضوع الرئيسي في تفاعلات النظام والعلاقات الدولية، خاصة في العقد الأخير.

حالة انهيار الدولة في البعض من بلدان الربيع العربي، أدّت إلى إيجاد بيئة مواتية لنمو التنظيمات الإرهابية، وقيامها بالعديد من العمليات داخل تلك البلدان وخارجها، ما أدى إلى تركيز الأجندة الدولية ومداولات مجلس الأمن على مواجهة تلك الظاهرة.

مجلس الأمن أصدر العديد من القرارات التي تعالج ظاهرة الإرهاب، واتسمت بأنها تتناول إما أفعال التنظيمات الإرهابية مثل “داعش” أو غيره، وإما الأوضاع المتدهورة في دول الربيع العربي مثل سوريا والعراق واليمن وليبيا، وإدانة الأعمال الإرهابية بها، أو اتخاذ إجراءات جماعية دولية بشأن الظاهرة الإرهابية، ومنها التحالف الدولي لمواجهة تنظيم داعش في سوريا والعراق.

ومن أبرز قرارات المجلس بشأن الظاهرة الإرهابية بعد عام 2011 القرار رقم 2017 لسنة 2013، الذي عدَّ تنظيم الدولة الإسلامية مجموعة إرهابية، وطالب بمكافحتها، وأكد أن الدولة الإسلامية في العراق والشام تخضع للحظر على الأسلحة، وتجميد الأصول المفروضة بموجب قرار مجلس الأمن 1267 لعام 1999، والقرار 2083 لعام 2012، ويشدد على أهمية التنفيذ الفوري والفعال لهذه التدابير.
واتخذ مجلس الأمن قراره رقم 2170 في 15 أغسطس 2014 بشأن فرض العقوبات على داعش. كما أدرج المجلس في 19 نوفمبر 2014 تنظيم أنصار الشريعة الليبي على القائمة السوداء للتنظيمات الإرهابية بسبب ارتباطه بتنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية. كما أدان في 28 فبراير 2015 ما وصفه بـ“الأعمال الإرهابية البربرية” التي ارتكبها مسلحو تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، ومن ضمنها تدمير آثار تاريخية وثقافية نفيسة.
وبعد أيام من تعرض باريس لهجمات إرهابية أدت إلى مقتل أكثر من مئة شخص، أصدر مجلس الأمن الدولي في 20 نوفمبر 2015 القرار رقم 2249، الذي دعا الدول إلى القيام بكل ما في وسعها لمضاعفة وتنسيق جهودها لمنع وإحباط الأعمال الإرهابية التي يرتكبها على وجه التحديد تنظيم داعش وجبهة النصرة. ويحث القرار الدول على تكثيف جهودها لوقف تدفق المقاتلين الإرهابيين الأجانب إلى العراق وسوريا، ومنع وإحباط تمويل الإرهاب.

واتخذ مجلس الأمن الدولي القرار 2253 في 17 ديسمبر 2015 بالإجماع، والذي يلزم الدول بمكافحة تمويل الإرهاب، ومنع تقديم أي مساعدة أخرى لتنظيمي “داعش” والقاعدة، ويتسم هذا القرار بأنه من أكثر القرارات الدولية وضوحا في محاربة الإرهاب، إلا أنه لم يضع قواعد واضحة للمحاسبة والعقوبات الواجبة على الدول التي تتملص من تنفيذه. كما أن القرار ينقصه الوضوح حول المنظمات والأفراد والمؤسسات والكيانات التي ترتبط بتنظيمي داعش والقاعدة، ما يدفع بعض الدول إلى تفسيـره حسب مصالحها وأهوائها.

فاعلية مجلس الأمن الدولي لا تقاس فقط بمؤشر تدخله في الصراعات والأزمات الدولية، وإصدار القرارات الخاصة بها، وإنما أيضا بمدى قدرته على تسويتها وحلها سلميا، ومنع اندلاعها أو تجددها، وهنا نجد عدم فاعلية مجلس الأمن في مواجهة الإرهاب لعدة عوامل، أبرزها أنّ الجمعية العامة للأمم المتحدة واجهت خلافات عميقة بشأن تعريف الإرهاب الدولي، كما أن هناك اختلافا بين الدول الكبرى حول تصنيف الجماعات والحركات المتشددة في ما إذا كانت إرهابية أم لا، كما حدث في التنظيمات العديدة في سوريا.

هذا إضافة إلى غياب الشفافية، إذ يتخذ مجلس الأمن قراراته، ويجري مداولاته في شكل حلقات نقاش، أو مشاورات غير رسمية، الأمر الذي حرم الكثير من الدول المعنية بتلك القرارات من حق المشاركة.

Read Previous

مستور يلتحق بالدوري الهولندي على سبيل الإعارة

Read Next

هكذا أنقذت طالبتان مغربيتان أردوغان من السقوط