مواجهات غرداية إعلان فشل للخيارات الاجتماعية في الجزائر

 

أخذت المواجهات المتجددة في محافظة غرداية (600 كلم جنوبي العاصمة)، أبعادا خطيرة بعد سقوط 23 ضحية وعشرات الجرحى والمصابين، ومغادرة مئات العائلات إلى المدن المجاورة هربا من جحيم الفتنة المذهبية بين أتباع الأباضية (أمازيغ) والمالكية (عرب).

ويعكس تجدد المواجهات في المحافظة فشل الخيارات الاجتماعية في الجزائر، وعجز خيار القبضة الأمنية عن منع الأزمات من الظهور على السطح.

 

وخلط التصعيد أوراق السلطة ودفع الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة إلى عقد اجتماع طارئ الأربعاء للمجلس الأعلى للأمن “أعلى هيئة دستورية تجتمع في الأوضاع الطارئة”، وأخرج المعارضة من كسلها لتنتقد مجددا الخيارات الرسمية في التعاطي مع الأزمة وتحمل المسؤولية للسلطة.

 

ويسود هدوء حذر مختلف بلدات محافظة غرداية خاصة بريان والقرارة، بعد سيطرة وحدات الجيش على الوضع وأخذها مواقعها في الشوارع والأماكن الحساسة.

 

وتعززت الوحدات العسكرية والأمنية المرابطة في إقليم المحافظة، بأعداد جديدة من قوات الجيش والدرك، حيث توافدت على غرداية من المحافظات المجاورة ومن القيادات الإقليمية للجيش والدرك المتمركزة في الجنوب والجنوب الشرقي.

 

واتسعت مخلفات الأزمة بعدما قرر تجار بنوميزاب (المنحدرون من وادي مزاب) الدخول في إضراب مفتوح عن العمل في مختلف المحافظات والمدن، للتضامن مع أهاليهم والضغط على السلطة لإيجاد حلول جذرية للأزمة، كما نفذ مواطنون ميزابيون مسيرة صباح الأربعاء في العاصمة، توقفت أمام مبنى “دار الصحافة” طاهر جاووت، لتبليغ رسالة التضامن عبر وسائل الإعلام.

 

وخلال سنتين ونصف السنة أحرقت مئات المنازل في أعمال العنف كما لحقت أضرار بالعديد من المساجد والمصانع والمحلات.

 

ويتعايش في هذه المنطقة منذ قرون الميزابيون (قبائل زناتة)، وهم أقلية إتنية دينية من البربر الأباضيين، وعرب يتبعون المذهب المالكي (مسلمون سنة). وانضم إليهم على مر العقود سكان آخرون اجتذبهم التمدن واكتشاف النفط في حقول قريبة.

 

ويواصل الميزابيون الذين يشكلون الأكثرية في المنطقة، ويشكل معقلهم غرداية المشهورة بهندستها المعمارية المميزة والمصنفة ضمن قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو)، حياتهم وفق طريقتهم الاجتماعية الخاصة بهم.

 

وتوجه ما يعرف بالمجلس العالمي للميزابيين برسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، يشرح فيها ما أسماه بـ”تخاذل السلطة في حماية الأقلية الميزابية من تحرش واعتداءات أتباع أحد المذاهب (المالكي) والعمل على منعهم من حقوقهم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية.

 

واتهمت الرسالة التي حصلت “العرب” على نسخة منها، السلطات الجزائرية بالتواطؤ في الصراع المذهبي، وعدم اتخاذ الإجراءات اللازمة لتطويق المواجهات، لافتة إلى “تواطؤ قوات الأمن مع المعتدين”، بناء على ما أسمته بـ”تعليمات فوقية تريد اضطهاد الميزابيين في أرضهم وعرقلة مصالحهم واستثماراتهم واقتصادهم.

 

طالبت الرسالة بان كي مون، بالضغط على الحكومة، من أجل حماية الأقلية الميزابية، في ظل الأخطار المحدقة بها والحقوق المنتهكة من طرف السلطة التي توظف أتباع أحد المذاهب لافتعال أزمة طائفية ومذهبية.

 

وذكرت روايات عديدة في المنطقة أن ما بات يعرف بـ”الملثمين” أو الأشخاص المجهولين الذين شنوا الاعتداءات الأخيرة في بريان والقرارة، استعملوا في هجماتهم الزجاجات الحارقة، وأن هناك من كان يحمل مسدسات رشاشة من نوع كلاشينكوف، وأن طلقا ناريا سجل خلال المواجهات. وتم إحراق أو تخريب محلات تجارية وسيارات وأشجار نخيل وممتلكات ومبان عامة.

 

ويرى مراقبون للوضع أن موضوع الملثمين بات يشكل تحديا حقيقيا للسلطة، بالنظر إلى وقوفهم وراء اشتعال الأزمة منذ العام 2012، ولم تأت التحقيقات ولا الملاحقات ولا حتى الاستعلامات بحقيقة هؤلاء الذين صاروا يهددون الأمن في المنطقة، ويغذون النعرات الطائفية والانفصالية.

 

ويشكو الميزابيون من أن الحكومة تنحاز إلى الفريق الآخر لأنه يدين بالمذهب الرسمي للدولة ودون مراعاة كونهم يمثلون الغالبية في واديهم عند أبواب الصحراء.

 

وتحدث الأستاذ الجامعي رستم الجزائري وهو ميزابي لصحيفة محلية عن “خطة لخنق شعب بكامله، مع حملة افتراء مكيافيلية منظمة تهدف إلى فرض عزلة معنوية وسياسية وإعلامية عليهم.

 

وأضاف أن “السلطة ترى أن الطريق يقوم على فرض شروط الخضوع والتخلي عن تمايزهم وتطبيق عملية تؤدي إلى تفكيك واضمحلال حضارتهم باستخدام التهديد والتخويف بطريقة مدروسة ومنتقاة.

 

وذكرت صحيفة لا تريبون الخميس أن “الحل العسكري” لم يسفر عن أي نتيجة. وأضافت أن “الأزمة هي وجه من الوجوه التي تعبر عن أزمة الدولة الوطنية التي لم تعمد إلى الاستفادة من خصوصية المناطق بل تجاهلت أشكال التنظيم الذاتي المتوارثة عبر الأجيال.

 

وشكل انسحاب قوات الأمن من الميدان قبيل انطلاق المواجهات في بلدتي بريان والقرارة، علامة استفهام، وعزز فرضية صراع الأجنحة داخل السلطة الذي قد يكون اتخذ من أزمة غرداية ساحة للمواجهة وإدارة معركة كسر العظم، خاصة وأن الأحداث اندلعت في أعقاب زيارة لوزير الداخلية نور الدين بدوي للمحافظة الأسبوع الماضي، وإصداره قرار إعادة ملف تسيير الوضع للجنة أهلية من أعيان وعقلاء المذهبين، بعدما كان لأشهر في يد قيادة الناحية العسكرية الرابعة.

 

وقالت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان غير الحكومية، “إنّ الحوار أفضل سبيل لحقن الدماء في محافظة غرداية”، واستنكرت ما أسمته بـ”مماطلة الحكومة في حل مشكلة غرداية.

 

واعتبر رئيس الحكومة السابق علي بن فليس أنه “كان من المفروض أن تولى عناية خاصة لأزمة بمثل هذه الخطورة من طرف أعلى رأس السلطة، وأن رأس سلطة تميز منذ بداية هذه الأزمة بصمت وبجمود غير مبررين ولا مقبولين”، في إشارة إلى موقف بوتفليقة.

Read Previous

حجز وإتلاف 176 طن من المنتجات الغير الصالحة للاستهلاك خلال ثالث أسبوع من رمضان

Read Next

بريطانيا تمنع 49 كتابا للأطفال يروج للمثلية الجنسية