حزب المغرب

بعد الورقة التي أشهرها أحد قياديي العدالة والتنمية والتي يبرر فيها دعوته لضرورة “الرد على الخطاب الملكي” الأخير حول التعليم، أشهر رئيس الفريق النيابي للحزب الحاكم ورقة جديدة يعتبر من خلالها أن حزب العدالة والتنمية هو حزب المغرب. وطبعا لا يحتاج المرء إلى ذكاء خاص ليستنبط من مضمون التصريح انه رد على ما جاء في الخطاب المذكور عند قول الملك بأنه لا ينتمي لأي حزب وأن حزبه هو حزب المغرب.

نحن إذن أمام تصريح سياسي يضع صاحبه الحزب الحاكم في تعارض مع أحكام الدستور ومع مقتضيات الديمقراطية. فمن بوابة الدستور أعتقد أن أصحاب هذا التصريح يعرفون جيدا من هو الممثل الأسمى للدولة والأمة، وقول الملك بأن حزبه هو حزب المغرب يفهم طبعا بحكم الوظائف والاختصاصات الدستورية للملك. لكن أن يصرح مسؤول سياسي بأن حزب العدالة والتنمية هو حزب المغرب يحتاج حقيقة إلى مستند دستوري، والى استفتاء شعبي لنتأكد من هذه الشرعية الدستورية الجديدة التي لم يسبق للتلاميذ المغاربة أن اطلعوا عليها في دروس التربية على المواطنة.

ومن بوابة السياسة، لا ندري كيف سمح حزب لنفسه أن يدعي بأنه هو المغرب علما بأنه لم يحصل إلا على مليون ونصف مليون من أصوات الناخبين من مجموع الخمسة عشر مليون ناخبة وناخب مغربي.فإذا كان المغرب هو ما حصل عليه البيجيدي من أصوات ،فلفائدة أي شعب ستحتسب الثلاثة عشر مليون صوت المتبقية،ولو أضفنا إلى الحساب عموم المغاربة أي ما يقارب الستة وثلاثين مليون مواطنة ومواطن ، فهل هذا يعني أن مليون صوت انتخابي هوالشعب المغربي؟ واذا كان الأمر كذلك في حساب البيجيدي ،فأي دستور سيضمن لعشرات الملايين المتبقية موقعا لهم في هندسة الأمة؟.ثم إذا كان الحساب السياسي الأعمى يسمح بأن يصبح المليون ناخب هو الشعب ،لماذا لم نسمع يوما من الاتحاد الاشتراكي الذي حصل على أزيد من 25 بالمائة من الأصوات في انتخابات 93  بمليون ونصف مليون صوت انتخابي أنه هو المغرب ، أو عندما حصلت الكثلة الديمقراطية لوحدها على أزيد من مليونين من الأصوات في انتخابات2002بما يقارب 30 بالمائة من الأصوات بأنها هي أيضا المغرب لوحدها، وهي الضامنة لاستقرار البلاد.؟

إن أسطورة “أنا الشعب”  ارتبطت عبر التاريخ بالديكتاتوريات الدموية ، وبأنماط الحكم الشمولي ، سواء بلبوساته الإيديولوجية ، أوالدينية أو العرقية، وكل الأصوات التي رددت مقولة “أنا الشعب” تسلحت بجرعات وافرة من الشوفينية،والتعصب،والاطلاقية.وهي جرعات تتعارض كلية مع النسبية باعتبارها شرطا بنيويا لإقامة أركان الديمقراطية.فعندما صرخت ماري لوبان”أنا هي فرنسا” أنتفض الضمير الفرنسي الحي، وأدان هذا التصريح الذي يتعارض مع تقاليد الجمهورية ومع أعراف التعددية والتعايش.ولعل من أمراض السياسة القاتلة، هي الانزياح لدوائر الشعبوية القائمة على أوهام التماثلية المطلقة بين الشعب والحزب ، بين الدين والسياسة.فتصبح الحقيقة مطلقة، واحدة، أزلية، والسياسة بالمثل تصبح هي أيضا مطلقة، واحدة، أزلية.

ان المغرب عندما اختار التعددية السياسية في تجربته الديمقراطية في مرحلة مبكرة، كان رهانه هو نبذ خيار الحزب الوحيد والأوحد الذي اغتال الديمقراطية في العديد من الأقطار الشقيقة.وبغض النظر عن تقييماتنا  لتجربة التعددية السياسية،وكيف شكلت في مراحل معينة عنصر فرملة للمسار الديمقراطي ، وكيف تم توظيفها لإجهاض شروط الترسيخ الديمقراطي وعملية بناء دولة القانون والمواطنة،على الرغم من ذلك فان التجربة المغربية سمحت بخلق الشروط الموضوعية للتنافس السياسي على قواعد العمليات الانتخابية، والتداول على الحكم ، وهو ما شكل احد عوامل الاستقرار السياسي مقارنة بمناطق أخرى.

واليوم، انه لمن المفزع أن نسمع حزبا أوصلته أصوات الناخبين إلى الحكم يردد انه هو المغرب.ولا ندري ، لو بسط هذا الحزب،أو من هو على شاكلته ، نفوده على المجتمع وعلى مفاصل الدولة هل سيكون لنا حق في التفكير، والنطق،والكلام، أو بالأحرى حق في الانتخابات و في السياسة.

 

Read Previous

مقالات.. “احنا معاكم “

Read Next

رسمياً.. ريبيري أفضل لاعب في أوروبا