أكوار تعيد نشر هذا المقال للتأمل: لقطات من ربيع الدم العربي بين حسابات الإخوان ومخططات الأمريكان

بعد إحدى عشر شهرا من حراك الجزيرة ومخططات أمريكا في إعادة صياغة الشرق الأوسط الكبير، الذي اقتضى فيما اقتضاه تسفير كل رؤساء الدول الذين إنتهت صلاحيتهم واستنفذوا إحتياطهم من المشروعية الشعبية ولم يعودوا صالحين لا لأنفسهم ولا لحماتهم في الشرق الأوسط.

بعد إحدى عشر شهرا يتحدث مثقفون كبار عن دخول العالم العربي مرحلة سايكس بيكو ثانية، إنهم المثقفون الذين سلطت عليهم أضواء الجزيرة لسنوات و في مقدمتهم محمد حسنين هيكل الذي رافق جمال عبد الناصرو أنور السادات إلى حدود يناير 1978 و الصحفي الفلسطيني عبد الباري عطوان.

البداية من ليبيا، فبعد إنهيار نظام العقيد وإعدامه إلى جانب ابنه المعتصم توصل الثوار إلى مكان اختباء إبنه سيف في الجنوب بمساعدة الأمريكان وتكلف باعتقاله قدماء القاعدة الحاكمون الآن في ليبيا.

الجميع كان ينتظر تسليم إبن العقيد والولد المدلل للنظام الليبي إلى محكمة الجنايات الدولية حتى يحاكم باعتباره مسؤولا على الأقل عن تدبير الأربع سنوات الأخيرة من حكم العقيد ومشاركته الفعالة من خلال تحكمه غير المباشر في أكثر من مؤسسة سيادية، غير أن القرار المفاجئة نزل… سيف الإسلام سوف يحاكم في ليبيا ولن يسلم إلى محكمة الجنايات الدولية.

هل الحاكمون الجدد في ليبيا يملكون كل هذه السطوة حتى يرفضوا تسليم الرجل؟ الجواب أكيد لا لأن حكام ليبيا الجدد قرارهم لا يوجد لا في بن غازي ولا في طرابلس ولا في سبها ولا في أية منطقة داخل ليبيا التي لا توحدها إلا تغطيات قناة الجزيرة.

سيف الإسلام كان مدلل أبيه ولكنه كان كذلك علبته السوداء، فعندما قال سيف الإسلام أنه سوف يدمر المستقبل السياسي لساركوزي ولمح أن العقيد معمر القذافي مول الحملة الرئاسية الفرنسية فهو لم يكن يتحدث من فراغ، بل كان يتحدث بناء على معطيات رجال الخيمة وفي مقدمتهم عبد الله السنوسي الذي تم اعتقاله يوم الأحد بناء على معطيات قد يكون قدمها سيف الإسلام عن “طيب خاطر” إلى حكام ليبيا الجدد.

النظام الديكتاتوري انهار في ليبيا بعد 42 عاما من مصادرة الحياة السياسية في البلاد و مصادرة الحريات و إرادة الشعب، لكن ليبيا الحالية لم تضع و لو حتى  رجلها الأولى على أرض الخيار الديمقراطي و كان لا بد أن تتم محاكمة سيف الإسلام في ظل نظام تيوقراطي قيد التشكل على الأرض في ليبيا من أجل مصادرة حق سيف الإسلام في الكلام و كشف المستور في علاقة أبيه ببعض قادة العالم الغربي و محاكمته محاكمة سريعة تمكن من إعدامه أو دفعه للإنتحار كما حدث مع أبيه عندما صدرت أوامر مجهولة من أجل إخراسه إلى الأبد عوض أن تتم محاكمته محاكمة عادلة، و هو نفس الأمر الذي تكرر مع أخيه المعتصم.

سدس شعب ليبيا يوجد الآن في تونس و دول الساحل فكل ماكينة العقيد غادرت البلاد و كل مخازن العقيد من الأسلحة توزعت بين القبائل و جزء كبير منها غادر البلاد و هو الآن بين أيدي الطوارق و قاعدة الجهاد في بلاد المغرب الإسلامي.

غير بعيد عن ليبيا تظهر الجارة الغربية أنها ربما في أحسن حال بعد أن تم تنظيم إنتخابات حزب النهضة و الوصول إلى توافق جزئي حول المرحلة المقبلة بين النهضة و منصف المرزوقي الذي قبل أن يلعب في المرحلة المقبلة دور أبو الحسن بنى صدر  من أجل تسويق الديمقراطية الإخوانية للغرب.

#gallery-1 {
margin: auto;
}
#gallery-1 .gallery-item {
float: right;
margin-top: 10px;
text-align: center;
width: 33%;
}
#gallery-1 img {
border: 2px solid #cfcfcf;
}
#gallery-1 .gallery-caption {
margin-left: 0;
}

أبو الحسن بني صدر التونسي فضل منصب رئاسة الجمهورية على محاسبة الوزير الأول المرتقب، حمادي الجبالي رئيس حزب النهضة الذي صرح بعد انتصار النهضة أن تونس دخلت مرحلة الخلافة الراشدة السادسة على منهاج النبوة و هو تصريح لم يكن صادما إلا إلى حزب التكثل الذي جمد المفاوضات مع حزب النهضة حول المؤسسات الدستورية المقبلة لتونس.

انتصار التيار الإخواني في تونس أثار حفيظة المركزية الإخوانية في القاهرة التي لم تعد قادرة على الإنتظار و تريد كعكة الإنتصار اليوم قبل الغد لتحقيق وعد البيت الأبيض.

الإخوان في مصر يهددون بالعودة إلى نقطة الصفر أي إلى ما قبل 20 دسمبر ما قبل الإطاحة بحسني مبارك و لهذا كان لا بد أن يعودوا لإكتساح الميدان و الإعتصام فيه، لماذا هذا التغيير في إستراتيجية الإخوان المسلمين.

الجواب عند الشعب المصري الذي بدأ يتململ حول قضاياه الحقيقية، فالخطاب الذي تأسست عليه مشروعية الإطاحة بحسني مبارك و قادة الحزب الوطني بإعتبارهم رموز الفساد و أنهم سرقوا الرخاء من الشعب المصري و أنهم و أنهم…، مشروعية من هذا الحجم تكون براقة في الأسبوع الأول و الثاني و الثالث و حتى العاشر لكن حسني مبارك هو الآن خارج الحكم منذ تسعة أشهر و في حالة إعتقال و كل أملاكه أصبحت معروفة و كل السيولة النقذية التي كانت بحوزته أصبحت معروفة، و المواطن المصري بدأ يطرح مشاكله التي من أجلها خرج، يطرح أزمة السكن و الرغيف و بدأ يعلن تبرمه من القوى السياسية التي تتحرك في أفق الإنتخابات القادمة و يستهزأ منها و من طريقتها في ترتيب الإنقضاض على الحكم.

لقد توقف الإقتصاد المصري و توقفت المداخيل من العملة الصعبة المتأتية من السياحة، توقف الإستثمار في القطاعات الأكثر استراتيجية  خصوصا قطاع السكن، و الحكومة الإنتقالية أصبحت عاجزة عن تدبير الموارد المالية الضرورية لتأدية أجور العاملين و غيرها.

في ظل الأزمة الشعب يريد حلولا و الحلول لن تأتي بين عشية و ضحاها و الرخاء لن يأتي بالمرة، لهذا لا بد من تغيير خطاب المشروعية المبني على التهويل من حجم الفساد في مرحلة حسني مبارك و تقديم خطاب مشروعية جديد يزاوج بين مطالب النخبة في الديمقراطية و متطلعات الشعب المصري في العيش الكريم  و هي مشروعية لا تملك جماعة الإخوان المسلمين آلياتها إلا إذا كذبت على الشعب المصري  فكان لا بد من العودة إلى الميدان و رفع شعار تسريع تنظيم الإنتخابات حتى يضمنوا دخولا سريعا إلى المؤسسات قبل أن ينقلب عليهم الشعب نظرا لتآكل المشروعية المبنية على التهويل من حجم الإفساد في عهد حسني مبارك، غير أن العودة إلى الميدان اصطدم هذه المرة بقرار الجيش المصري مما جعل المحتجين في الميدان يرفعون الشعار المحظور في صراع المشروعيات و هو انسحاب الجيش في المرحلة الإنتقالية و إذا  أخذنا بعين الإعتبار أن مصر ليست ليبيا و أن المؤسسة العسكرية في مصر تمثل مشروعية إستمرارية الدولة و الضامن لوحدة مصر، تكون جماعة الإخوان المسلمين إرتكبت المحظور و دخلت في مرحلة تفكيك الدولة المصرية التي تعد من مكتسبات الشعب المصري الذي سعى فقط إلى تطور أدائها و ليس انهيارها. مخطط تفكيك مؤسسات الدولة و إدخال مصر في تيه الفوضى بدأ يوم الأحد 20 نونبر في أكثر من مدينة مصرية في محافظات القاهرة و الإسماعلية و السويس و الإسكندرية و المنيا بحجة أن هناك نية لتأجيل الإنتخابات و على الرغم من إصدار مجلس الوزراء المصري بيانا واضح بتنظيم الإنتخابات العامة في وقتها و التأكيد على ذلك من طرف المجلس العسكري الحاكم في مصر فإن الإخوان يصرون على اللجوء للشارع حتى تدخل مصر مرحلة نهاية الدولة.

احتياط المشروعية الشعبية الذي دخل به الإخوان بدأ يتآكل و سيتآكل غذا لو توفي حسني مبارك قبل الإنتخابات و الذي تشكل جنازته فرصة للمواطن المصري العادي و للمؤسسة العسكرية جنازة لأحد أبطال حرب أكتوبر.

بعيدا عن مصر تعيش اليمن حربا أهلية لا أول لها و لا آخر، حربا أهلية يتقاطع فيها ما هو قبلي و إقليمي و جهوي و سياسي و مصالحي و لا يوجد في الأفق القريب أي مؤشر على أن اليمن السعيد سوف يطوي مرحلة علي صالح بأقل تكلفة ممكنة و أن الأزمة الداخلية في اليمن مرشحة للإستمرار و الدخول في دوامة العنف الذي لا ينتهي.

على هدى اليمن دخلت سوريا مرحلة اللاعودة و كل التصريحات الآتية من الطرف الحاكم في سوريا و أجنحته الأكثر دموية تبين أن سوريا دخلت العد العكسي لحرب أهلية دموية و أن عدد القتلى الذي سقط إلى حدود اليوم و الذي تجاوز 3000 قتيل لا يمثل أي شيء فيما هو آت مع العلم أن الإنقسام في المؤسسة العسكرية دفع خصوم آل الأسد إلى استهداف القوات الجوية التي تمثل النواة الصلبة لنظام آل الأسد منذ أيام الرئيس حافظ.

الدم العربي سيراق و يراق من أجل الإخوان و الأمريكان و المواطن العربي الذي لا يمثل إلا لقطة في الإعلام الموالي لأمريكا أو وقودا لوصول الإخوان على جثامينه إلى السلطة و يسعون كل يوم إلى تكثير الجثث حتى يستوي الأخ الأكبر في السرايا بعيدا عن المقابر الجماعية و الفردية.

الإخواني الآن في العالم العربي لا يمثل إلا متعهد جنائز و حفار القبور بدعم جزيرة بلد لا يعرف من الديمقراطية حتى أبجديتها.

أكورا بريس: بواب محراب أكورا العربي (نُشر في 2O نونبر 2011 )

Read Previous

بولونيا: ضبط نصف قنطار من الحشيش والكوكايين ومبلغ 6500 أورو داخل سيارة مغربي

Read Next

صحف الاثنين:”شركات عالمية تفضل المغرب على الجزائر”، “عاشوراء تتحول إلى حرب” و”لقاء سري بين العثماني ورئيس معهد أماديوس”