رجال عرفتهم…رحم الله رجلا من طينة “أبو بكر القادري”

بقلم: عبد المجيد الفرجي صحافي مقيم بإيطاليا

اخترت “تسمية” مقالتي المتواضعة على غرار كتاب “رجال عرفتهم”  لصاحبه أبو بكر القادري، الذي رحل في غفلة منا، مساء أمس الجمعة، عن عمر يناهز 97 سنة، الرجل الذي يعتبر من ضمن أصغر سنا من الموقعين على وثيقة المطالبة بالاستقلال.

شدتني وفاته لِما كان له من أثر في مساري المهني. لن أنساه ما حييت، ضمن زمرة الرجال الذين التقيتهم. عرفت الرجل رحمه الله عن قرب، في 2006 بمناسبة حوار أجريته معه أثناء إعداد تحقيق عن “أسرار استقلال المغرب”، لفائدة جريدتي “صحيفة العاصمة”، المتوقفة عن الصدور، كنت حينها لا أعتقد جازما أن رجلا مثله، هرَما من حجمه، سيستجيب بسهولة لطلب إجراء حوار معه، نظرا لصغر سني، كما بدا لي، ولأن المنبر الإعلامي الذي كان يديره عبد ربه، جهوي الانتماء بالرباط  والنواحي، رغم توزيعه وطنيا… عقدت العزم وربطت الاتصال بالرجل مباشرة في بيته عبر الهاتف، قدمت له نفسي، فكان أول “الغيث”، أن وافق بدون تردد…زادني جوابه شحنة معنوية مهمة لأكون عند مستوى لقاء رجل مثله.

حينما كنت متوجها إلى بيته بمدينة سلا، بنواحي “بطانة”، كان يحدثني رحمه الله على خط هاتفي الجوال، يرشدني للزقاق الذي يقطنه بصوت أبوي، ولأني كنت لا أريد أن أتعب الرجل في الحديث، لكبر سنه، تظاهرت بمعرفة المنطقة، فوجدتني ضائعا أمام منزل الزعيم بنسعيد أيت يدر، الذي سأكتشف أنه جار أبو بكر القادري. وجهني الأخير عبر الهاتف بأريحية لا نظير لها إلى أن عثرت على منزله. هي ربما دهشة اللقاء بالعظماء.

آثر أبو بكر القادري، على نفسه وهو يستقبلني بمنزله، رغم العياء الذي كان يبدو من زفراته، وملامح وجهه، وهكذا كان يفعل هذا الرجل التسعيني كما يروي مقربون منه، حينما يدعوه  نداء حزبه “الاستقلال”، الذي كان يشغل عضو مجلس رئاسته قيد حياته.

تحمل الراحل أسئلتي، واستفزازاتي “المقبولة”،عما كنت قد نقلته من اتهامات محمد لوما لحزب”الاستقلال”،بخصوص جيش التحرير،كان للرجل صدر رحب، يأخذ نفسه كل مرة، وهو يسترسل في أجوبته لتقدمه في السن، لكنه يزن كلماته من ذهب.

ما أثارني في الرجل أنه ملهم في قصة استقلال المغرب مع كل سؤال أطرحه، كان هو التربية والتعليم، لا يكاد يذكر سياقا تاريخيا معينا من زمن المغرب الماضي، دون أن يربطه بالتربية والتعليم، بل إنه حينما يقدم نفسه ضمن الموقعين الستة والستين على وثيقة المطالبة بالاستقلال ضمن كتابه “رجال عرفتهم”، لا يجد نفسه سوى في التربية والتعليم، حيث يقول: “سجنت لأول مرة عام 1936 من أجل فتح مدرسة حرة”، ثم يسترسل الراحل في فقرة أخرى: “تعاطيت مهنة التعليم وفتحت مدرسة سنة 1933، بقيت تؤدي مهمتها التعليمية، تحت إدارتي ثماني وأربعين سنة، وتخليت عنها للدولة ولازالت تؤدي رسالتها التعليمية لحد الآن، والحمد لله”.

في نهاية الحوار الذي أجريته مع الفقيد أبوبكر القادري، خلصت إلى أن رؤية الرجل لاستقلال المغرب، كانت من زاوية التربية والتعليم، التي يرى فيها أن وطنا ممكن التحقق بشعب متعلم.

رحم الله عبدا ترك علما ينتفع به

Read Previous

وفاة المجاهد أبو بكر القادري: جعل من التربية والتثقيف والتعليم منطلقا أساسيا لبلورة المواقف السياسية

Read Next

الملتقى الإقليمي للشعوب المغاربية ينطلق بصوت موريتاني: “الشعب يريد الاتحاد المغاربي”