الوطنية في زمن الكوليرا

 

أتذكر حين كان أستاذ اللسانيات يشرح لنا معنى السجل اللغوي “إنه تنوع خطابي تستعمله فئة تتقاسم نفس العمل” ففكرت حينها في أولئك الذين ليس لهم عمل وتساءلت في قرارة نفسي “هل لديهم بدورهم سجل لغوي خاص بهم؟”، وقادني بحثي عن جواب لهذا السؤال إلى موضوع مختلف وغير متوقع، غير أنه مشوق وممتع في نفس الآن.

 هذه أمثلة من السجل اللغوي للمغاربة العاطلين عن العمل، والذي يتميز بكلمات وعبارات تستعمل في معيشهم اليومي “الله يلعنها بلاد”، ” كون لقيت كيفاش نخوي لبلاد كون مارجعتش ليها” “هاد لبلاد ماعطاتنا والو من غير الهم والغم…”

أغلب هذه الجمل تعكس خيبة الأمل والإحباط والكبت الذي يعيشه العاطلون المغاربة، غير أن هذا الحنق الذي يتحدث به هؤلاء العاطلون والكبت المحبوس في دواخلهم والغضب الذي يصبون جامّه هو ليس على البلد بقدر ما يوجه هؤلاء العاطلون رسائلهم إلى الوزراء والبرلمانيين وأصحاب القرار داخل المملكة المغربية، وإلى كل من يدّعون خدمتها بينما همهم الشاغل هو استنزاف خيراتها وفتح أرصدة بالبنوك السويسرية.

إن المغاربة شعب يحب بلده إلى أقصى الحدود، وهناك أمثلة كثيرة عبر فيها الشعب المغربي عن تعلقه ببلده، فمثلا لو دخل أجنبي إلى مقهى مغربي وصار يكيل الشتائم للمغرب فكيف ستكون ردة فعلكم؟ لكن إذا صدر هذا التصرف عن مغربي فلن تكترثوا له، بل وقد تتضامنون معه.

إن الوطنية راسخة منذ القدم في عقلية كل مغربي، وهي لا تظهر في كل تجلياتها إلا حين يتعلق الأمر بالقضايا الوطنية الكبرى كقضية الصحراء وسبتة ومليلية وأيضا المد والجزر الذي يطبع علاقة المغرب بالجارين الجزائري والإسباني. إن أي مغربي في تعامله مع هذه القضايا يصير خبيرا استراتيجيا أو مناضلا محنكا أو يرتدي وزرة محلل أكاديمي مشهور، فهو يحلل ويشخص ويقترح، رغم معرفته المتواضعة بهذه القضايا، سواء كان مقيما بالمغرب أو خارجه…

المغاربة يعبرون عن غضبهم ليس لشيء، سوى لأنهم ملّوا رؤية أولئك المتسلطين الذين “ينفخون” أرصدتهم البنكية بملايين الدراهم ويركبون السيارات الفارهة ويعيشون حياة الرغد داخل بروجهم وقصورهم  المحصنة، على حساب الطبقة المستضعفة.

إن حبّنا وتقديسنا لبلدنا يفوق الوصف، ولعل الجميع يتذكر كيف خرج المغاربة إلى شوارع المدن المغربية بعد الإنجاز التاريخي للمنتخب المغربي لكرة القدم سنة2004 خلال نهائيات كأس إفريقيا بتونس، أليس هذا تعبيرا عن الوطنية؟ وحين سقط هشام الكروج في الألعاب الأولمبية بسيدني سقط معه الشعب المغربي بأكمله، وحين عبر الرأي العام المغربي عن غضبه على إثر زيارة العاهل الإسباني خوان كارلوس لمدينة سبتة، إنها قمة الوطنية.

خلال الستينيات، تحدى جون كينيدي الأمريكيين حين قال” لا تسألوا أنفسكم ماذا فعلت أمريكا من أجلكم، بل اسألوا أنفسكم ماذا فعلتم أنتم لأمريكا؟” لذا، لا يجب على المغاربة أن يبقوا مكتوفي الأيدي منتظرين “غودو”، بل يجب علينا أن نتحرك ونقوم بكل ما يجب فعله للتوجه إلى الأمام واستشراف مستقبل أفضل، وقيل من أراد العسل عليه أن يصبر للسعات النحل.

أكورا بريس: ترجمة عن موقع الخاص بالجالية المغربية المقيمة بأمريكا moroccoboard.com

Read Previous

شيء مما يحدث في تازة: خدموني بلا امتحان ودابا..ولا نولي عيشوري

Read Next

مزوار يقرر عقد المؤتمر الوطني لحزبه في مارس القادم وينتقد التشكيلة الحكومية