الراديو بين الزمن الجميل و “تاجماعت”

جميل أن نتذكر، و بكثير من الاعتزاز، كثيرا من برامجنا الإذاعية و التلفزية. فرغم التضييق و الرقابة خلال سنوات ما سمي ب"الرصاص"

إلا أن الإبداع كان حاضرا بكل تجلياته. فكم كان مؤنسا و مفيدا برنامج "سمير الليل" أو "مذكرات" أو " أنيس المبدعين" أو تلك المسلسلات الإذاعية التي كان الكل ينتظرها بشغف على الساعة الواحدة و خمسة و أربعون دقيقة. كما كان الجميع ينتظر سينما الخميس و سهرة السبت و سباق المدن أو حتى الرسوم المتحركة مثل "كراندايزر" و "سندباد" أو بعض المسلسلات الجميلة ك "المنزل الصغير" أو "الرجل الذي يساوي ثلاثة ملايير" أو "الصمت" … 

كان الاشتغال مبنيا على كثير من المهنية و كان بعض الإعلاميين يتبوؤون منزلة أحد أفراد العائلة حيث أصبح الصوت مألوفا و عوالم السفر الإذاعي مفتوحة. لم يتحرر آنذاك المشهد و لم تظهر بعد الإذاعات الخاصة، كانت إذاعة وحيدة هي الإذاعة الوطنية، و حتى المذياع لم يكن في متناول الجميع اقتناؤه. 

في أواخر القرن الماضي و بداية القرن الواحد و العشرين، فتح المجال للإذاعات الخاصة كتجسيد لسياسة القرب و الانفتاح و إعطاء الكلمة لأطياف متعددة للتعبير و اقتراح آليات جديدة للتواصل مع المواطن. لكن، و للأسف، غاب عن الكثير منها جانب الإفادة و الإمتاع و التوعية و أصبحت مطنبة في الأحاديث الفارغة و "تاجماعت" و الوصلات الإشهارية. هكذا أصبح كثير من هذه الإذاعات عبارة عن قراءة للوصفات المطبخية المنقولة من كتب الطبخ و بأسلوب إذاعي مبتذل لا تشويق فيه و لا إفادة. كما أصبح البعض الآخر عبارة عن موعد يقتصر فيه دور الإعلامي على استقبال المكالمات و محاور يعيد نفس الأسئلة لكل الناس و خلال كل الحلقات من قبيل " من أي مكان تحدثني؟"  " تحية خاصة لدوار …. "  " ما هي المشاكل التي تعترضكم؟" " ألم تفكروا في إطار يجمعكم؟" ….

بالإضافة إلى هذا النوع، هناك من يتحدث خلال برنامج متخصص لخمسة دقائق ثم يترك الميكروفون لأغنية لأم كلثوم مدتها نصف ساعة مع العلم أن الأغنية هي استراحة فنية وليست محورا للبرنامج. 

الراديو وسيلة تواصل، شكلت، لزمن أنيسا و رفيقا للسائق و الراعي و الموظف و التاجر و الصانع التقليدي. أصوات جميلة، صادقة، دافئة أمتعت و أفادت و منها من لازال يشكل نبراسا و نشطت حوارات جميلة و مسؤولة أطرت الكثيرين قبل أن يتحول البعض منها إلى نوع من "تاجماعت" التي يُنسى محتواها وأصحابها بمجرد انفضاض المجلس. 

 

Read Previous

صحف الأربعاء: الاتحاد الاشتراكي يتلقى أكبر صفعة في تاريخه والكوميسير الصوتي يتوعد

Read Next

ميسي يتعرض لموقف محرج بسبب زجاجة