بعد الجنرال “بوانو” يأتي دور الفقيه المارشال بنكيران في غزوة القناة الثانية

نموذج الحملة الديمقراطية التي تنم عن احترام ذوق الآخر على صفحات الفايس بوك التابعة للحزب الحاكم 

كل مبتدئ في علم السياسة وكل دارس للقانون الدستوري يتعلم أن السلطات ثلاث: السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية. وبفعل تطور المجتمعات وتعاظم دور الإعلام تم تجاوزا رفع الإعلام بحكم دوره الرقابي إلى سلطة رابعة، ولكنها ليست سلطة بالمفهوم السلطوي المتعارف عليه، فهي سلطة معنوية تفرض نفسها على باقي السلط بموضوعيتها وحيادها وقوة حجتها في صناعة الرأي العام، سواء كان حاكما أو محكوما.

مناسبة هذا الكلام هو تصريحات رئيس الحكومة، الذي لم يبق رئيس حكومة كل المغاربة، وتحول إلى رئيس حكومة جزء من المغاربة عندما خاض بشكل مفتوح أمام اللجنة التحضيرية لحزبه في موضوع دفتر التحملات وتنازل عن دوره التحكيمي بين فرقاء الأغلبية الحكومية، التي عبر جزء منها عن عدم رضاه على تهريب دفتر التحملات من الإطار الحكومي، وفرضه على الجميع من خلال نشره في الجريدة الرسمية.

بن كيران حسب ما أوردته الزميلة “فبراير.كوم” تصرف كأي سياف يقطع الرؤوس بكلماته الحادة، وأضافت أنه يبعث الكثير من الرسائل الصريحة والمبطنة إلى كل من عارض دفتر التحملات الجديد لقنوات الإعلام العمومي، وهدد بأن الربيع العربي “باقي ماسالاش وباقي كيدور ويمكن عاود ترشق ليه ويرجع”، ودعا أركان حزبه إلى المواجهة.

نموذج ثان بدون تعليق

يعلم الجميع أن الحكومة بادرت إلى نشر دفتر التحاملات، وليس التحملات في الجريدة الرسمية، علما أن ما يعيشه الإعلام العمومي من مواطن ضعف يتجاوز حوارا حصريا مع المهنيين أو أقطاب الإعلام العمومي إلى أطراف أخرى من خارج قطاع الإعلام، لأن الأمر لا يتعلق بحوار اجتماعي بين الباطرونا المهنية والباطرونا السياسية وأجراء القطاع، سواء كانوا مدراء أو مستخدمين عاديين حتى يتم تهريب إصلاح الإعلام العمومي من الباحات الواسعة للنقاش إلى الدوائر المغلقة، حيث يسهل التحكم وتسود تقاليد الإملاءات.

قد يقول قائل أن هذا الأمر حدث من قبل ولم يثر زوبعة من هذا الحجم، الأمر كان في ظل دستور سابق، أما الآن فهناك دستور جديد يعطي صلاحيات جديدة للحكومة، وهي مسؤولة سياسيا عن تدبير القطاعات، ولكن في إطار التوافق سواء مع المؤسسات الدستورية الأخرى أو مع الأطراف السياسية الأخرى عندما يتعلق الأمر بقطاع، من المفروض أن يجد كل مغربي نفسه فيه، لأن النقاش الآن داخل المجتمع أخد منحى شعبويا ومتخلفا تصور قناة 2M كأنها فقط قناة الشطيح والرديح، في الوقت الذي يقول الطرف الآخر أن هناك محاولة لخوجنة القناة.

أطراف النقاش والمواجهة الإعلامية لم يكونوا إلا الخلفي وكتيبته الإعلامية المحافظة من جهة، وطرف حكومي والمعارضة البرلمانية الليبرالية واليسارية وكتيبتهم الإعلامية المناهضة للمحافظة من جهة أخرى.

وهناك من الوزراء من رفض الغوص بشكل مفتوح في الموضوع، وكان من المنتظر أن يكون صمت بن كيران حكمة لأنه رئيس حكومة كل المغاربة إلى أن سمعنا صاحب الحكمة الفقيه المارشال ينزل كذلك بكل ثقله ليدافع عن وجهة نظر وزيره في الإعلام حول دفتر التحاملات الخاص بالإعلام العمومي، وهو ما يمثل خطأ سياسيا كبيرا بعد خطأ التأشير على نشر دفتر الخلفي في الجريدة الرسمية بعيدا حتى عن تقاليد إخبار باقي الأطراف بالقضايا الكبرى ولو من باب الصواب السياسي.

حجة كتيبة الإعلاميين الموالين للخلفي ومكون الحكومة الرئيسي أن الوزير مسؤول عن تدبير القطاع الموضوع تحت مسؤوليته، وأنه سوف يحاسب غدا على ذلك أمام الناخبين. قبل أكثر من عشر سنوات وأيام حكومة عبد الرحمان اليوسفي، التي كان لها هي كذلك أغلبية برلمانية، طرحت خطة إدماج المرأة، وكان هناك تجاذب في الشارع أحد أطرافه الإسلاميون الذين انتفضوا ولم يكن لهم أغلبية برلمانية، وعندما وصل الأمر إلى مفترق الطرق تدخلت المؤسسة الدستورية المكلفة بالتحكيم من أجل إعادة صياغة الخطة، وتم تكوين لجنة برئاسة امحمد بوستة من أجل تقديم مشروع جديد. فهل تشبث آنذاك عبد الرحمان اليوسفي بحق الوزير السعدي في تمرير خطته وفرضها على الجميع بنشرها في الجريدة الرسمية؟

إن الأمر كما حدث أيام خطة السعدي يتجاوز القراءات التبسيطية التي تختزل المعادلة في أغلبية عددية في البرلمان و أقلية برلمانية و مؤسسات إعلامية يجب أن تخضع أوتوماتيكيا لهوس وزير في إملاء دفتر تحاملاته على الجميع.

بن كيران صاحب السيف انتصر للعدالة والتنمية ونسي أنه رئيس حكومة المغاربة كل المغاربة وأدخل المغرب في متاهة مغرب بن كيران ومغرب المناهضين لبن كيران.

أكثر من هذا، بن كيران حسب الزميلة “فبراير.كوم” بعث بكثير من الرسائل، فالمُرْسِلُ معروف، ولكن المُرْسَلِ إليهم من داخل المؤسسات الدستورية ومن خارجها لم يحددهم بن كيران، لكن ربط الأمر بالربيع العربي، وتهديده بعودة الربيع تجعل أكثر البلداء يفهم أن بن كيران اقترف المحظور، وأدخل دفتر تحملات محميه في الاتصال المتاهة، التي لم يكن في حاجة إليها وأن الكلام المعسول حول التوافق، حيث يجب التوافق، لم يكن إلا استغفالا وتَحَيُّنًا لغفوة الغير من الساهرين، وأن التهديدات التي كان قد أطلقها من قبل أحد أجنحة العدالة والتنمية في البرلمان والصحف الموالية لم يكن نشازا بل بوحي من مركز القرار داخل الحكومة، وداخل الحزب وفق منطق مصادرة المتراكم في مجال التعددية والانفتاح، وهو أمر يحيل على حقيقة صدق طوية شركاء الدولة في تثبيت الديمقراطية ومناخ الحريات في البلاد بحجة حرية الحزب الأول في البلاد في أن يفرض دكتاتوريته على الجميع، و هو أمر عاشته المجتمعات الديمقراطية الغربية من قبل، لأن الوصول إلى الحكم بصناديق الاقتراع لا يعطي الحق بالمطلق في فرض خيارات ديكتاتورية كما حدث أيام هتلر وموسوليني.

تصريح بن كيران الصادم أكيد سيكون له ما بعده لأنه يضرب في العمق رصيد الثقة الضروري لبناء الغد المشترك للمغاربة، كل المغاربة، الذي يقتضي التوافق حول قرارات بعينها بحكم حساسيتها لضمان انخراط كل الشركاء في صون المتراكم و تطويره.

حمو اواليزيد الاكوري

Read Previous

ببغاء ضائع يشرح عنوانه بالتحديد للشرطة اليابانية

Read Next

وزارة الخارجية الأمريكية تحذر الرعايا الأمريكيين من مخاطر السفر إلى الجزائر