الجزء الثالث: بن الصديق، آخر الملتحقين بكتيبة الأمير المنبوذ

يعتبر المشوار المهني لأحمد بن الصديق غريبا ومثيرا للشفقة في نفس الوقت، فقد كان موظفا في القطاع العام يشغل منصب مدير شركة “سوثرمي”،  فرع لصندوق الإيداع والتدبير المكلف باستغلال حامة مولاي يعقوب، إلا أن هذا الرجل، الذي يدافع عن التقاليد، ظل يلعب،، منذ 2006،  دور المرتزق لصالح مولاي هشام، مسخرا له جميع طاقاته.

ابتدأ سقوطه نحو الهاوية بعد قيامه بخطأ جسيم، فرغم أنه لم يكن على علاقة مباشرة بالعمل السياسي، حاول جاهدا التنديد بالتدبير السيء للوحدة التي كان على رأسها من خلال مد الصحافة بمعلومات سرية حول المقاولة التي يديرها، ثم تبيّن بعد ذلك أن الاختلالات التي يعرفها تسيير شؤون سوثرمي تعود بشكل كبير إلى الجو  الذي ساهم هو في ترسيخه داخل هذا الفرع التابع لصندوق الإيداع والتدبير، موجها اتهاماته للمستخدمين المكلفين بالعناية بحامة مولاي يعقوب ومتعاونيه المباشرين للتغطية على النتائج المخيبة للآمال التي حققتها الشركة منذ أن أصبح رئيسها.

وقصد التملص من مسؤولية هذا الإخفاق أمام الإدارة العامة لصندوق الإيداع والتدبير، اخترع رواية مفادها أن تجهيزات حامة مولاي يعقوب توجد في وضعية تنذر بالخطر لأن رؤسائه رفضوا تتبع إستراتيجيته التي كانت تهدف إلى حصول هذه المحطة على استثمارات أجنبية، وهو ما قام بطلبه خلال تنقلاته إلى فرنسا، إلا أنه نفى أن تكون له علاقات لقضاء مصالح شخصية مع لوبيات الصناعة والعيش الجيد.

وهكذا، فقد كلّفته تصرفاته السيئة عمله، حيث تم تسريحه بعد أن أثبت أحد التقارير نياته المبيتة، ومن بينها تمرير شؤون المقاولة لرجال أعمال فرنسيين تحت غطاء شراكة لن يستفيد منها الطرف المغربي بشكل كبير، مع الإشارة إلى أنه كان سيجني من وراء ذلك أرباحا شخصية.

وكساخط على الوضع وراغب في الانتقام، تقرّب بن الصديق من بوبكر الجامعي، الذي كان حينها مدير أسبوعية”لوجورنال”، لوضع فصول مسرحية  الموظف السامي ضحية الدولة العميقة. وقد اتصل الجامعي، الذي كان يقود حملة في ذلك الوقت بمجلته لحزب العدالة والتنمية خلال انتخابات 2007، بمسؤولي الحزب الإسلامي ليجعل من بن الصديق نموذجا للفضيلة وحالة من حالات تطهير تدبير المقاولات العمومية. ومن ثم، دفع الجامعي بن الصديق إلى تقديم طلب للملك من خلال نشر رسالة مفتوحة بمجلته تجعل منه مثلا أعلى للموظف النموذجي. وقد نجحت هذه الخطة، حيث أخذت قضية بن الصديق بعدا إعلاميا كبيرا مكّنه من العودة إلى دواليب الإدارة بعد استعطافاته المتكررة، حيث تم منحه فرصة ثانية خلال تنظيم الذكرى 1200 لتأسيس مدينة فاس، وهي الفرصة التي لم يعرف استغلالها ليتبيّن مرة أخرى أن الرجل عاجز عن قيادة المهمة الجديد بشكل جيد.

ومنذ ذلك الحين، لم يتوقف عن استجداء الطبقة السياسية للحصول على رد اعتبار من خلال تسخير وسائل الإعلام التي تلعب على الأوتار الحساسة، حيث قام بعمليات انتحارية مثل نشر رسالة  قذف من خلالها الأمير مولاي هشام من خلال انتقاد تدخله في الأمم المتحدة، ثم حين قرر قطع علاقاته مع الملكية في خطوة عديمة الجدوى.

وبعد أن أغلقت جميع الأبواب في وجهه، وتنكرت له عائلته، دخل أحمد بن الصديق في حياة منحلة، حيث ترك عائلته في الدار البيضاء للاستقرار بالرباط ووجد له مكانا داخل فريق هامشي كان أعضاءه يسمحون له بتلبية حاجياته، إذ كان يقيم بحي بعيد عن وسط المدينة ويتردد على الأماكن الرديئة.

خلال هذه الفترة، سينتشله بوبكر الجامعي وعلي أنوزلا ويوظفانه كمترجم متعاون مع موقع “لكم”، الذي سمح له بنشر “رسائل هجاء” تتميز بعنف غير مسبوق تتعلق بميزانية القصر وحفل البيعة، وهي مقالات مغلوطة كان يأتيه بها أشخاص ينتمون لحركة 20 فبراير كانوا يجدون في موقع “لكم” ملاذهم الأخير. كتابات بن الصديق كانت سببا في قطع علاقاته مع أصدقائه الفرنسيين، ومن بينهم رجال سياسة منتخبون في التجمع الوطني الفرنسي، والذين كانوا زملائه في المدرسة المركزية بباريس، حيث كانت صدمتهم كبيرة حين تابعوا كيف أن زميلا لهم أصبح يعيش في مثل هذه الظروف في الوقت الذي كان مستقبله مخططا بشكل جيد.

دفعه حنقه وعجزه عن الاعتناء بعائلته وتلبية حاجياتها إلى الذهاب بعيدا في لعب ورقة زعزعة استقرار  بلده معبرا عن حقد كبير للمؤسسة الملكية والمحيط الملكي الذي يقول إنه السبب في حرمانه من وظيفته الأولى. ويعلم الجميع أن بن الصديق تبنى الأفكار الراديكالية ليس عن اقتناع وإنما بسبب ظروف اجتماعية مرتبطة بفشله المهني. وفي هذا الإطار، قرّر لعب دور المصلح الذي لا يكل على شاكلة  قائد سابق في القوات المسلحة الملكية حصل على الجنسية الفرنسية ومدّه الأمير مولاي هشام ب20 ألف أورو لانتقاد الملكية المغربية من منفاه بفرنسا.

وبعد أن تأكّد من عدم فعالية فريقه الإعلامي، وبعد أن استنفذ جميع الحيل للحصول على تعويض عن”الطرد التعسفي”، خصوصا لدى برلمانيي العدالة والتنمية، قرّر أحمد بن الصديق الارتماء في أحضان الأمير مولاي هشام، وهو آخر ملاذ من شأنه أن يمنحه  صدى سياسيا-إنسانيا في محيط الأمير، الذي فرح كثيرا لاستقطابه متعاونا جديدا يفتقد إلى الاعتراف والمال. وبالتالي، تمثلت مهمة بن الصديق في موقع “لكم” في ترجمة ونشر جميع المقالات التي يرسلها الأمير والمكلف بإيصال رسائله، ويتعلق الأمر هنا بالصحفي المغربي- الإسباني الحسين المجدوبي. هذا التعاون مع الأمير دفع بن الصديق إلى أن يطلب من مولاي هشام التكفل بمصاريف دراسة ابنه بالجامعة الأمريكية بالشارقة في الإمارات العربية المتحدة، وهو اختيار اقترحه عليه المجدوبي الذي صار يشتغل معه منذ إغلاق موقع “لكم” عبر نشر مقالات على موقع “ألف بوست”-الذي يموله الأمير مولاي هشام- تتضمن نفس النقد اللاذع للمؤسسات المغربية من خلال خلق روايات خيالية بكونه ضحية  لأجهزة الاستخبارات المغربية.

موقع mediapart.ma      

 

Read Previous

مذيعة إسبانية تأكل موزة على الهواء دعماً لـ”ألفيس”

Read Next

الدارالبيضاء : “وحش” لم يحترم لحيته و اغتصب طفلة داخل مرحاض دكانه