من الدار البيضاء إلى القاهرة…إشارات بشأن التراجيديا المصرية

 

تستأثر الأزمة المصرية باهتمام كبير في المنطقة نظرا للدور التاريخي الذي تطلع به القاهرة كزعيمة جهوية والذي يواصل التأثير العميق على الدول المجاورة لها، إضافة إلى دلالتها الجيو استراتيجية الكبيرة، ناهيك عن امتداد حركة الإخوان المسلمين، التي رأت النور بقاهرة المعز قبل 80 سنة، إلى العديد من دول المنطقة.

وقد أعلنت حركة الإخوان المسلمين، خلال السنوات الأخيرة، في أكثر من مناسبة أنها تتقبل فكرة الحكم الديمقراطي، لكن وبمجرد وصولها إلى السلطة ضربت حركة حسن البنا  مبادئ التعددية السياسية والاجتماعية عرض الحائط، بل إنها كشفت عن أسلوب استبدادي في التفكير الاستراتيجي، حيث قام الرئيس المخلوع مرسي بالحد من حرية إبداع فناني بلده ومخرجيه السينمائيين وموسيقييه. ولعل محاولات “أسلمة” المجتمع طبقا لتأويلات مشابهة كانت لها تأثيرات سلبية ببلدي المغرب، بل إن تأثيراتها كانت مميتة بكل من تونس وليبيا وتركيا.

وحسب ما يقوله الجنرال السيسي، فقد أخبره مرسي أن الإخوان المسلمين سيستمرون في حكم مصر للخمسمائة سنة القادمة، وهو ما يبيّن بوضوح أن الديمقراطية لم تكن تدخل ضمن اهتماماته(وهو ما يمكن قوله على نظرائه الإسلاميين بالمنطقة)، وهنا يمكن القول إن الاهتمام بمؤسسات المجتمع المدني وثقافة الشرعية والتسامح التي تعتبر أسس الديمقراطية  كانت غائبة لدى مرسي وإخوانه، في حين حلّ محلهما الولاء العشائري والديني المتزمت، لكنني لا أعتقد أن هذه الحلقة الأخيرة من مسلسل  السلطة بمصر ستتمكن من تهدئة الأوضاع رغم أنها تحظى بمساندة شعبية كبيرة، ذلك أن استقالة محمد البرادعي من الحكومة الانتقالية إشارة واضحة لصعوبة وضع مسار ديمقراطي مؤسس على التحالف بين النخبة العلمانية والمؤسسة العسكرية.

وبالرغم من تنديد أمريكا بالعنف الدائر في مصر ودعوتها إلى إيجاد حل سياسي، فإنه يبدو جليا أن المصالح الإستراتيجية الأمريكية هي التي تدعو إلى الاستقرار بمصر كتوجيه أول. وفي نفس الوقت، نجد أن العديد من الدول الأخرى، خصوصا دول الخليج، كالإمارات العربية المتحدة والعربية السعودية تدعم الجيش المصري اليوم لأنها ارتأت في حركة الإخوان المسلمين  تهديدا لأمنها، خصوصا أنه سبق أن تمّ تفكيك خلايا إرهابية مدعومة من طرف الإخوان المسلمين بهذين البلدين. وفي الجانب الآخر، نجد أن قطر تواصل دعم الإسلاميين، وذلك بالرغم من وصول أمير شاب إلى الحكم لا يبدو أنه سيغير دعم هذا البلد للإخوان المسلمين سواء من خلال المساعدات المالية المباشرة أو من خلال الدعم الإعلامي من خلال شبكة الجزيرة الشهيرة.

وتزامنا مع هذه المواقف، لا زالت كل من العراق وسوريا تغرقان في حرب طائفية، فيما تقاتل ليبيا وتونس والجزائر مجاهديها. وبالمغرب، تمّ تفكيك خلية جهادية خلال الأسبوع الماضي بعد أن بلغت مرحلة متقدمة في الإعداد لهجومات كانت تنوي القيام بها ضد مصالح فرنسية وأمريكية بالمغرب.

وبالتالي، فإننا بحاجة لرؤية إستراتيجية شاملة تساعدنا على بناء مؤسسات مجتمع مدني مستدامة من شأنها أن تعبّد الطريق أمام الديمقراطية. وفي رأيي، لا يمكن تحقيق ذلك من خلال عقوبات تأديبية لن تساهم سوى في الرفع من درجة العداء اتجاه الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها الأوروبيين. لذلك، يجب على الغرب وحلفاءه العرب التشجيع على المصالحة وجعلها اللبنة الأولى في صرح ورش الإصلاح.

ربما قد يكون الاعتراف بصعوبة الإصلاح أول خطوة لسن هذا الإصلاح المرتقب. لقد تابعت الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى الستين لثورة الملك والشعب، وهو الخطاب الذي شخّص الصعوبات التي واجهها المغرب على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كما أن الملك محمد السادس تحدث خلال خطابه عن دور التعليم وتمكين الشباب من التشجيع على ثقافة التعددية والتسامح. ولأول مرة، قام الملك محمد السادس بتوجيه نقد حاد للحكومة الإسلامية وطلب من أعضائها بالإسراع في ترك أجندتهم الإيديولوجية جانبا والتركيز على حاجيات الشعب السوسيو اقتصادية.

ولكم كان ما قام به الملك ذا مغزى كبير-بعد إلقائه الخطاب المذكور-حين قام بتوشيح صدور العديد من الفنانين والفنانات المغاربة في مجالات الغناء والإخراج والتمثيل، والذين ينتمون لأجيال مختلفة بأوسمة ملكية.

حين يقوم رئيس دولة بالاعتراف بالإنجازات الفنية والإبداعية لرعاياه فهذا يتنافى، وللأسف، مع أسلوب الحكم الذي كان يرغب الإخوان المسلمون في وضعه، لكن مثل هذا الاعتراف هو ما تحتاجه المنطقة.

ترجمة نبيل حيدر

أحمد الشرعي/موقع Huffington Post 

Read Previous

أشياء تفعلها المرأة ويعجز عنها الرجل

Read Next

بالصور تضامنا مع المسلمات… سويديات يرتدين الحجاب