دم بلعيد بين لعبة خلط الأوراق ومحاولة تبييض الشمولية والإرهاب

في إطار خلط الأوراق حول اغتيال المعارض التونسي اليساري شكري بلعيد، تحاول بعض الأبواق في المغرب أن توقف عجلة التاريخ في زمن اللحظة السياسية السابقة لانهيار نظام بن علي من أجل تبييض التيارات الشمولية وتبييض الإرهاب والإرهابيين، أملا في إلصاق تهمة اغتيال بلعيد كذبا بتيار سياسي بعينه، حتى تعطي المشروعية لمخطط بئيس يجتره البوق الصحفي لأسلمة نظرية غرامشي في التحالفات.

اعتمد البوق الإعلامي للتحالف المفترض بين الشمولي والديمقراطي على قراءة تجزيئية للواقع التونسي، مبنية على وقائع مختلقة حول مواقف أطراف تونسية، منها موقف تيار نداء تونس، وادعت كذبا أن الباجي قايد السبسي، زعيم التيار صرح أن حزب النهضة هو الذي كان وراء اغتيال شكري بلعيد حتى تخلص إلى النتيجة التبسيطية من أن حزب النهضة الذي يملك المشروعية الإنتخابية هو المستهدف من اغتيال شكري بلعيد.

يعرف المواطن العادي قبل المتتبع والصحفي، أن الباجي قايد السبسي اعتبر أن تحميل مسؤولية اغتيال شكري بلعيد لحزب النهضة هو تعبير عن انعدام المسؤولية السياسية واستبعد أي تورط للحركة في هذا الاغتيال، غير أن بوق مشروع أسلمة غرامشي اختلق موقفا وألبسه لحزب نداء تونس لتزوير التاريخ، تاريخ تونس حتى يعطي المشروعية لإسقاط القراءة على المغرب ليقنع نفسه قبل غيره بجدوى البحث عن سراب تحالف الجميع من أجل المجهول كأنه يملك شعبية ضاربة في صفوف الجماهير كفيلة بفرض الخيار الديمقراطي على الجميع، فالأحزاب السياسية والقوى المجتمعية المغربية قاطبة مطالبة بالتحالف من أجل عيون البوق الصغير حتى تتحقق نبوءة الديكتاتور القابع خلف الستار، ليفرض نفسه كمنقذ لانهيار الدولة عندما تنزلق الأشياء إلى حيث لا تستطيع الناس الرجعة، ويعيش المغرب متاهات الدم والخراب والأشلاء وتكون البلاد قد وصلت إلى أتون المجهول، لكن البوق الصغير لا يهمه إلا خدمة من أدى عنه شيك متأخرات المطبعة من أيام الكدح في الصحافة الورقية، والذي أصبح الآمر الناهي في موقعه الإلكتروني دفاعا مأجورا عن أحد وجهاء سلالة يكرهها.

حقيقة موقف حزب النهضة من الديمقراطية والحريات يعرفه التونسيون والتونسيات فهم ليسوا في حاجة إلى البوق الصغير من أجل معرفته، ويعرفون بالصوت والصورة حقيقة موقف الحركة على لسان راشد الغنوشي عندما التقى زعيم التيار السلفي في تونس.

البوق الصغير أصبح إسلاميا عاشقا لحركة النهضة ومن أجلها يعمل على مصادرة حق الليبراليين والديمقراطيين في تونس، الذين ملوا من استمرار البلد في ظل مجلس تأسيسي لم يؤسس لأي شيء غير تمطيط المرحلة الانتقالية وتأبيد سيطرة بعض الإسلاميين على الحكومة في المطالبة بتعيين لجنة ذات تمثيلية واسعة حتى تنكب على صياغة مشروع الدستور الجديد وعرضه على الشعب لإقراره أو رفضه.

البوق الصغير يتناسى أنه منذ سقوط بن علي إلى اليوم مرت أكثر من سنتين وخبر الشعب التونسي كل الأطراف السياسية، وما يواجهه التونسيون اليوم هو العمل من أجل الحفاظ على الدولة وحتى الجبالي رئيس وزراء تونس لم يعد يغرد تغريدة متناغمة مع حركة النهضة، ويعرف أن الحفاظ على الدولة واستمرارها يقتضي تكوين حكومة كفاءات بدعم سياسي.

لقد تعمد البوق الصغير أن يخطأ العنوان حول الإيديولوجية التي اغتالت شكري بلعيد، وأن تغيب الحقائق الإقليمية في محيط تونس، حيث انهارت الدولة في ليبيا وفقدت مالي جزءا من ترابها الوطني وضربت القاعدة في جنوب الجزائر، وحتى في تونس سعت أطراف إسلامية إلى إعادة تكرار تجربة اغتيال السفير الأمريكي في ليبيا وهاجمت السفارة الأمريكية في تونس العاصمة.

تبييض الإرهاب من منطق البوق الصغير وخلط الأوراق ضروري حتى يتم إستبلاد الناس وإيهامهم أن المغرب يعيش في ظل نظام مستبد، وأن من الاستبداد أن يكتب البوق الصغير ما يريد ويرتاد ليلا المغارة التي يريد ويصطحب إلى بيته في بلد الإستبداد الصبية التي يريد، وأن يتمتع بدون إخبار الرأي العام بأموال هولندا كما يريد، إنه الإستبداد الذي يسمح لرئيس الحكومة أن يعين ما لا يقل عن 1124 في المناصب الرفيعة، وأن تجتمع حكومته كل أسبوع وتقرر في سياستها العامة وتختار النظام الضريبي الذي تريد وسياسة التشغيل والتعليم والصحة التي تريد.

تمنيت لو كان النظام المغربي مستبدا حتى تجرب كل الكائنات الإلكترونية الإستبداد الحقيقي، ونرى درجة استعداد بعض الكتبة لمواجهة الإستبداد الحقيقي بقمعه وجبروته حتى نعرف حقيقة صلابة موقفهم، فمن تزلف للديكتاتوريات العربية ومن تغاضى عن كل الخروقات التي تعيشها تندوف نتنبأ من الآن بموقفه، فالبوليزاريو ديمقراطي والمعارضة في تندوف تمارس كل حقوقها والمجتمع المدني يمارس كل حقوقه وأكثر، وسيف الله بن حسين زعيم التيار الجهادي في تونس رجل ديمقراطي يؤمن بالحريات الفردية والجماعية، والسلاح الذي تم تهريبه من مخازن العقيد الليبي لا يباع في تونس، والدولة الليبية قائمة وتحمي كل شبر من حدودها، ومصر لا تعيش صراعا بين دولة الإخوان وباقي المجتمع، وأن الجبهة الشعبية التي تضم ثلاثة عشر حزبا في تونس والتي كان بلعيد شكري أحد زعمائها اجتمعت على الباطل، وأن بن علي هو الذي اغتال بلعيد بتواطئ مكشوف مع الحبيب بورقيبة الذي أمر الباجي قائد السبسي الذي عاش في المنفى بعد وصول بن علي إلى الحكم بالتنسيق مع دولة بن علي، حتى يحكي لنا البوق الصغير عن أسلمة غرامشي الذي سوف يصبح أحد وجهاء الإسلام السياسي ليكون البوق قد أكمل للناس زبوره وارتضى لهم الإستبلاد طريقا مستنيرا.

حمو واليزيد الأكوري

Read Previous

بابا الفاتيكان يقرر التخلي عن منصبه بسبب تقدمه في السن وفقدانه القدرة الذهنية والبدنية

Read Next

أكثر من 38 ألف مغربي ومغربية وثقوا زواجهم سنة 2011