كي لا تُلدغ مصر من نفس “الحكم” مرتين

كمغربي مسلم، دفعتني متابعة هذا الانقلاب المذهل الذي يقوده الجيش حاليا بمصر، إلى التأمل في قول مأثور سمعته يوما من صديق يهودي مفاده أنه” سينتهي الأمر بمن يريد أن يمسك بكل شيء، بأن لا يمسك أي شيء”. ولعلّ هذا القول المأثور يعكس، بشكل جلي، ما يدور الآن بمصر إضافة إلى مسألة ما الذي يمكنه أن يخدم هذه الدولة، بل والمنطقة بأسرها، بشكل أفضل.

فلنلق نظرة على الماضي، وسيظهر لنا أن جماعة الإخوان المسلمين قد تخطت حدودها. قبل وقوع ذلك، ارتأى الجناح الأكثر براغماتية، سياسيا، في زعامة هذا التنظيم  قبل أول انتخابات رئاسية بمصر بعد ثورة 2011 عدم تقديم مرشح رئاسي، لأن ذلك سيكون مبالغا فيه وحركة”سابقة لأوانها” من طرف تنظيم لا تثق فيه أغلبية كبيرة من الشعب وكذلك الغرب. إضافة إلى ذلك، نصح هذا الجناح بتقوية دعم التنظيم بالبرلمان والاشتغال في الكواليس بعيدا عن الأضواء. ومن هذا المنطلق، كان يفضل هذا الجناح داخل تنظيم الإخوان المسلمين ، نظرا للأزمة الاقتصادية التي تعصف بمصر وارتفاع مستويات الجريمة بها، ترك الحكم لغير الإسلاميين الذين سيعاتبهم الشعب على المصائب التي يعيشها بلدهم، ومن ثمّ يستغل الإخوان المسلمون هذه الظرفية ويخترقون دواليب الحكم ويحصلون على دعم شعبي أكبر. لكن المخادع وائل الشاطر نظر للأمر من زاويته الخاصة وتوقع أن يصبح رئيسا لمصر غير أنّ القضاء المصري منعه من ذلك. هذا المنع مهّد لظهور مرسي على الساحة، هذا الرجل الذي حاول قطع رأس الجيش وتعطيل دور القضاء واحتكار وسائل الإعلام، لكن دون أن يعلم أن جميع هذه القطاعات تقع تحت سيطرة خصومه، ناهيك عن كونه يفتقد لقاعدة دعم وسط هؤلاء الخصوم و افتقاره للأطر المتمكّنة التي يمكنها أن تشغل المناصب التي كان يريد الاستغناء عن أصحابها. كل هذه العوامل إن أضفنا إليها ردة الفعل المعادية والرغبة الدفينة في إفساد رئاسة مرسي كانت سببا في نسف ثمانية عقود من نشاط الإخوان المسلمين في أقل من سنتين.

والآن، أتى الدور على الجيش المصري لـ”يمسك بكل شيء”. فهل ستستغل هذه المؤسسة غضب الشعب من الإخوان المسلمين لإنشاء دولة ديكتاتورية علمانية؟ هناك أصوات، داخل الجيش، تعزف نفس مقطوعة خيرت الشاطر وتسعى إلى الحصول على التحكم التام، كما أن الجيش يضم أولئك البراغماتيين الذين سيعملون على الدفاع عن مصالحه دون أن تخطي الخطوط الحمراء وتحريك غضب الشارع المصري. لكن، وبما أن قرار الإخوان المسلمين في تخطي حدودهم جعل كيدهم يرتد إلى نحرهم، فستكون الطامة الكبرى إن اتخذ الجيش القرار نفسه، ذلك أن هذا الأخير هو المؤسسة الوحيدة القادرة على الإشراف على انتقال حقيقي اتجاه المجتمع المدني والتعددية.

أخشى أن القيادة العسكرية لا زالت لم تعي بشكل جيد معاني مسؤوليتها الجسيمة، فقرار توقيف زعماء الإخوان المسلمين وإغلاق وسائل الإعلام التابعة لهذا التنظيم والموالية له من شأنه أن ينذر بوقوع بعض الأحداث، خصوصا أنّ تجاهل فرصة الإسلاميين في المشاركة في العملية السياسية سيساعد على تقوية شوكتهم سريا، فهم جماعة قوية ربما ليست لها القوة الكافية لتسيير شؤون دولة، لكنها قادرة على تحريك موجة من العنف داخل مصر كرد فعل انتقامي، وهو أمر من المرجح أن يلجأ إليه هذا التنظيم إن لم يتم إشراكه في دواليب الحكم.

كوني الرئيس المدير العام لمجموعة إعلامية بالمغرب، فأنا مهتم كثيرا بوسائل الإعلام بمصر وبالمنطقة بشكل عام، حيث صارت النقاشات على منتديات النقاش العمومية جد صاخبة وأصبحت الأخبار متحيزة لجهة واحدة دون الأخرى وباتت التغطيات الصحفية تهلل وتطبل لجهة معينة، وبالتالي فقد ساهمت وسائل الإعلام بشكل كبير في التأسيس للقطبية التي تعرض  مصر وجيرانها للخطر. أمّا نحن، فبإمكاننا أيضا لعب دور مهم في التشجيع على التعددية، وهو أمر يجب علينا القيام به.

وفي هذه الظرفية الحساسة، تطّلع الولايات المتحدة الأمريكية، بدورها، على دور مهم، حيث يمكنها أن تؤثر على الجيش ليعدّل قراراته. وفي هذا الصدد، يجب على الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن يوظّف قوة أمريكا لمساعدة مصر على تجاوز سياسة القطبية ويحول دون تحول آخر من بنية ديكتاتورية لأخرى. فلا وقت الآن أمام الإدارة للعودة إلى الخلف، لأن عقارب ساعة الحاسم قد دقت.

www.huffingtonpost.com

Read Previous

أنور الزين الكاتب العام لشبيبة الاتحاد الدستوري: “ممكن” مكنتي من التفكير فيما يمكن القيام به

Read Next

فيديو: لحظة القبض على الشاطر نائب مرشد “الإخوان” وإيداعه السجن