سبع معيقات أمام التقدم النوعي في مكافحة داء الرشوة في المغرب حسب “الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة”

رصدت الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة سبعة مواطن القصور والخلل، التي تعرقل التقدم النوعي في مكافحة داء الرشوة في المغرب، وهي كالآتي:

1- غياب البعد الاستراتيجي الكفيل بإرساء سياسة لمكافحة الفساد فعالة ومنسقة ومندمجة وذات أهداف مرسومة ومحددة وقابلة للتتبع والتقييم.

2- عدم ملاءمة المنظومة الجنائية والقضائية لمتطلبات مكافحة الفساد، خاصة على مستوى قصور دائرة التجريم والأطراف، ومحدودية الأثر الردعي للعقوبات، وتعثر الإطار القضائي على مستوى الاستقلالية والنزاهة والفعالية، وقصور فعالية الملاحقة والمقاضاة وتنفيذ الأحكام.

3- غياب تناسق جهود آليات المساءلة وإعطاء الحساب نظرا لضعف علاقاتها المؤسسية وقصور تعاونها وتبادلها للخبرات والمعلومات، إضافة إلى الثغرات المرصودة على مستوى مقتضياتها القانونية التي تساهم في تحجيم فاعلية جهودها في كبح جماح الفساد والسيطرة عليه.

4- ضعف الحكامة العمومية الذي يعزى إلى الهفوات الملحوظة على مستوى منع تضارب المصالح وتحجيم الإثراء غير المشروع، وتدبير الموارد البشرية والمالية والصفقات العمومية، والعلاقات بين الإدارة والمواطنين.

5- محدودية آليات الحكامة السياسية سواء على مستوى المقتضيات القانونية المتعلقة بالأهلية للترشح ومراقبة استخدام الأموال العمومية الممنوحة للأحزاب ولتمويل الحملات الانتخابية، أو على مستوى نواقص الممارسة البرلمانية التي حالت دون مزاولة الرقابة السياسية بالفعالية المطلوبة.

6- هشاشة الحكامة الترابية الناتجة عن ضعف شفافية التدبير المحلي وتذبذب العلاقة بين الهيئات المنتخبة والمواطنين وعدم ملاءمة أجهزة الوصاية والمراقبة ومحدودية عمل أجهزة المساءلة وإعطاء الحساب وتأخر إدراج الحكامة المجالية ضمن مقاربة إعداد التراب الوطني.

7- صعوبة تلمس نتائج مجهودات تحسين مناخ الأعمال وحكامة المقاولات الخاصة، نتيجة إكراهات تفعيل المنافسة وغياب النشر المنتظم للمعلومات حول صفقات الخوصصة ومناقصات الشراء والدعم الموجه وكذا غياب نظام مستقلوشفاف ودوري لتقييم أي تدخل عام انتقائي إضافة إلى محدودية التوجه نحو تقليص اللجوء إلى نظام الترخيص.

نص كلمة رئيس الهيئة، عبد السلام أبو درار، ألقها صباح يومه الجمعة ثاني نونبر الجاري، أمام ممثلي وممثلات وسائل الإعلام:

“السيدات والسادة الصحافيات والصحافيين،

السيدات والسادة أعضاء الجمع العام للهيئة المركزية،

يسعدني بداية أن أرحب بكم جميعا في هذا اللقاء الصحفي المخصص لتقديم تقرير الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة برسم سنتي 2010-2011، بعد أن تم تقديمه رسميا للسيد رئيس الحكومة طبقا لمقتضيات المرسوم المحدث للهيئة.

واسمحوا لي في البداية، أن أذكركم بأن هذا التقرير قد تم إعداده وفق المرجعية القانونية المنصوص عليها في المادة السادسة من مرسوم الإحداث التي تجعل الهيئة مطالبة باعتماد مقاربة منهجية تنطلق من تشخيص الوضع الراهن لتفاعل الرشوة بالمغرب، لتنتقل إلى تقييم فعالية الإجراءات المعتمدة، وصولا نحو حصر توجهات استراتيجة مبلورة في اقتراحات وتدابير محددة.

إن هذا التقرير، كما لا يخفى عليكم، يأتي في ظرف دقيق، وضمن سياق تاريخي غير مسبوق، مما يميزه أن المغرب، على غرار باقي دول المنطقة العربية، شهد حراكا اجتماعيا تلازمت فيه مطالب اجتماعية واقتصادية وسياسية، على رأسها المطالبة بوضع حد للفساد وتقديم المفسدين للعدالة.

وقد قوبل هذا الحراك في المغرب بتفاعل إيجابي تمثل بشكل خاص في تبني دستور جديد  كرس المكتسبات التي حققتها بلادنا في مجالات حقوق الإنسان والديمقراطية وبناء دولة الحق والقانون، كما تضمن تأكيدا صريحا على حتمية تقوية عدد من الآليات العاملة في مجال تخليق الحياة العامة، وربطَ ممارسة المسؤولية بالمراقبة والمحاسبة.

وجاءت المقتضيات الدستورية الجديدة المتعلقة بالحكامة الجيدة ومكافحة الفساد واقتصاد الريع لتجيب على بعض مقترحات وتوصيات التقرير الأول للهيئة المركزية المقدم برسم 2009، وهو ما ترجمته المقتضيات القاضية بدسترة هيئات الحكامة والارتقاء بالهيئة المركزية إلى مؤسسة دستورية تحت مسمى الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها مع توسيع صلاحياتها ومجالات تدخلها.

وإذا كان التقرير الأول للهيئة قد اعتمد مقاربة شمولية لتشخيص ظاهرة الفساد ولتقييم السياسات الحكومية في هذا المجال، فإن تقريرنا الجديد عمل على تعميق تشخيص الظاهرة بالاعتماد على ثلاث مقاربات تتمثل في:

1- مقاربة شمولية تتأسس على المؤشرات المختلفة التي تسمح بملامسة تفشي هذه الظاهرة والقطاعات الأكثر عرضة للفسادوتبرز انعكاساته على الحكامة والتنافسية والتنمية البشرية.

2- مقاربة قطاعية سمحت بتشخيص اختلالات الحكامة بالقطاعين العام والخاص وبالحياة السياسية.

3- مقاربة جهويةسمحت برصد تجليات الفساد على مستوى ممارسة الشأن المحلي.

وقد أفضى هذا التشخيص إلى خلاصة مفادها أن رقعة الفساد تتجه نحو التوسع والامتداد لمختلف مجالات تدبير الشأن العام، وهو ما يعكس الوضعية التي يوجد فيها المغرب، والتي لم تتحسن بالرغم من الجهود التي بذلها من أجل تطويق الظاهرة خلال العقد الأخير.

وللوقوف على أسباب هذه المراوحة في ما يتعلق بوضعية بلادنا، يتضمن هذا التقرير تقييما شاملا للسياسات الحكومية والإجراءات المتخذة، والتي لم تخل من العديد من المكتسبات القانونية والمؤسساتية التي تتلاءم بشكل عام مع المعايير الدولية المعتمدة، بيد أن هذه المكتسبات تظل غير كافية ولا يمكنها أن تكون بالفعالية والنجاعة اللازمتين دون إصلاح العديد من مواطن القصور التي رصدتها الهيئة في هذا الشأن، وهي على الخصوص:

1- غياب البعد الاستراتيجي الكفيل بإرساء سياسة لمكافحة الفساد فعالة ومنسقة ومندمجة وذات أهداف مرسومة ومحددة وقابلة للتتبع والتقييم.

2- عدم ملاءمة المنظومة الجنائية والقضائية لمتطلبات مكافحة الفساد، خاصة على مستوى قصور دائرة التجريم والأطراف، ومحدودية الأثر الردعي للعقوبات، وتعثر الإطار القضائي على مستوى الاستقلالية والنزاهة والفعالية، وقصور فعالية الملاحقة والمقاضاة وتنفيذ الأحكام.

3- غياب تناسق جهود آليات المساءلة وإعطاء الحساب نظرا لضعف علاقاتها المؤسسية وقصور تعاونها وتبادلها للخبرات والمعلومات، إضافة إلى الثغرات المرصودة على مستوى مقتضياتها القانونية التي تساهم في تحجيم فاعلية جهودها في كبح جماح الفساد والسيطرة عليه.

4- ضعف الحكامة العمومية الذي يعزى إلى الهفوات الملحوظة على مستوى منع تضارب المصالح وتحجيم الإثراء غير المشروع، وتدبير الموارد البشرية والمالية والصفقات العمومية، والعلاقات بين الإدارة والمواطنين.

5- محدودية آليات الحكامة السياسية سواء على مستوى المقتضيات القانونية المتعلقة بالأهلية للترشح ومراقبة استخدام الأموال العمومية الممنوحة للأحزاب ولتمويل الحملات الانتخابية، أو على مستوى نواقص الممارسة البرلمانية التي حالت دون مزاولة الرقابة السياسية بالفعالية المطلوبة.

6- هشاشة الحكامة الترابية الناتجة عن ضعف شفافية التدبير المحلي وتذبذب العلاقة بين الهيئات المنتخبة والمواطنين وعدم ملاءمة أجهزة الوصاية والمراقبة ومحدودية عمل أجهزة المساءلة وإعطاء الحساب وتأخر إدراج الحكامة المجالية ضمن مقاربة إعداد التراب الوطني.

7- صعوبة تلمس نتائج مجهودات تحسين مناخ الأعمال وحكامة المقاولات الخاصة، نتيجة إكراهات تفعيل المنافسة وغياب النشر المنتظم للمعلومات حول صفقات الخوصصة ومناقصات الشراء والدعم الموجه وكذا غياب نظام مستقلوشفاف ودوري لتقييم أي تدخل عام انتقائي إضافة إلى محدودية التوجه نحو تقليص اللجوء إلى نظام الترخيص.

إننا في الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة مقتنعون بأن تعزيز سياسات مكافحة الفساد وتحسين وضعية المغرب يمر حتما عبر تصحيح هذه الاختلالات، مما سيوفر مناخا عاما محفزا لمختلف الفاعلين من أجل الانخراط الجماعي في هذا الورش اعتبارا لما للتقليص من حجم الفساد من آثار إيجابية على الاستثمار والنمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية وأيضا على التنمية المستدامة كهدف رئيس للسياسات العامة.

واقتناعا من الهيئة بأهمية المقتضيات الدستورية الجديدة المتعلقة بالحكامة في تحسين مستوى الحكامة وترسيخ مقومات النزاهة والشفافية والمسؤولية في الحياة العامة، فقد خصص لها التقرير فصلا مستقلا، مؤكدا حتمية تصريفها في نصوص قانونية والحرص على تنفيذها.

إنني إذ أقدم أمامكم أهم مضامين تقرير الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة برسم سنتي 2010-2011، أرى أن أهمية هذا التقرير تكمن بشكل خاص في الخلاصات التي انتهى إليها التشخيص والتقييم اللذين أنجزتهما الهيئة وبالتالي في التوصيات والمقترحات التي تمخضت عنها والتي تتوزع إلى ستة محاور.

واسمحوا لي في هذا السياق أن أعرض على أنظاركم بعجالة هذه المحاور كالآتي:

– المحور الأول يتعلق بإدراج مكافحة الفساد ضمن منظور استراتيجي يستجيب لمطلب الاتفاقية الأممية في هذا المجال ويضمن إرساء سياسة فعالة ومنسقة ومندمجة تعتمد المواصفات الأساسية للتخطيط والبرمجة وتنبثق عن مقاربة جماعية وتشاركية تنخرط في تفعيلها جميع الإدارات والهيئات والفعاليات ومكونات المجتمع.

– المحور الثاني يهم ملاءمة السياسة الجنائية مع متطلبات مكافحة الفساد، بالعمل على تتميم وتحيين المنظومة الزجرية والرفع من الأثر الردعي للعقوبات، وتحصين الجهاز القضائي من الفساد وتعزيز دوره في المكافحة، ومواجهة مظاهر الإفلات من المتابعة والعقاب، وتعزيز فعالية مساطر المقاضاة.

– المحور الثالث يتعلق بتدعيم فعالية ونجاعة آليات المساءلة والمراقبة بالعمل على التفعيل الأمثل لمهام المفتشيات العامة للوزارات، وتعزيز دينامية المحاكم المالية لتتمكن من التفعيل الكامل لصلاحياتها في ميدان التأديب المالي.

– المحور الرابع يهدف إلى مواصلة النهوض بالحكامة والوقاية من الفساد باعتماد إجراءات تؤسس لمنظومة جديدة للموارد البشرية، وتُعَزِّزُ حكامة الإدارة المالية، وتُعِيد بناء العلاقة بين الإدارة والمرتفقين على أسس متوازنة، وتُطَوِّرُ الحكامة الترابية.

وتتوخى هذه الإجراءات أيضا تدعيم الحكامة الحزبية والانتخابية والبرلمانية والجماعية ومواكبتها بمقاربة أخلاقية موازية.

كما يقدم هذا المحور إجراءات عملية لتحسين مناخ الأعمال وحكامة المقاولات تستهدف رفع مستوى الشفافية والمساءلة وخلق نظام تحفيزي لتشجيع المقاولين على احترام مبادئ وقواعد الحكامة الجيدة.

– المحور الخامس يتعلق بالتحسيس والتربية على قيم النزاهة ومكافحة الفساد في إطار برنامج وطني يروم النهوض بالبعد التربوي وتجذير ثقافة النزاهة والشفافية والمساءلة والتصدي لثقافة التطبيع والاستسلام، مع تنويع الخطاب حسب الفئات المستهدفة وتعزيز الشراكات والتحالفات لمكافحة الفساد.

– المحور السادس يستهدف تمكين الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها المحدثة بمقتضى الدستور من مقومات الوقاية والمكافحة، بمنحها الاستقلال الإداري والمالي، وتخويلها الصلاحيات اللازمة للاضطلاع بمهام التشخيص والتقييم والاقتراح وإشاعة ثقافة النزاهة، وتأهيلها للقيام بالتصدي المباشر لأفعال الفساد مع تمكينها من أدوات الرصد والبحث والتحري اللازمة، وتزويدها بآليات الامتداد الترابي الذي يسمح لها بالتجاوب عن قرب مع الخصوصيات والحاجيات الجهوية.

وبالموازاة مع هذه التوصيات، وقف التقرير على الأنشطة الوظيفية والتدبيرية للهيئة المركزية، حيث عمل على مقاربتها انطلاقا من استعراض إيجابيات الحصيلة وإكراهات الممارسة، مسلطا الضوء على الثغرات القانونية والإجراءاتية التي تحول دون الانتقال بتوصيات واقتراحات الهيئة من مستوى الطرح والترويج إلى مستوى الفاعلية والتنزيل.

وفي نفس الإطار، استعرض التقرير حصيلة المنجزات في مجال التدبير الإداري والمالي مثيرا الانتباه إلى التداعيات المرتبطة بعدم توفر الهيئة على الشخصية المعنوية والاستقلال المالي والتي حتمت إخضاعها لمساطر طويلة ومعقدة في تدبير مواردها البشرية والمالية دون إغفال الإشارة إلى ضعف الميزانية المرصودة للهيئة وانعكاساتها على تنفيذ المشاريع المدرجة في إطار استراتيجيتها.

السيدات والسادة الصحافيات والصحافيين،

إنني إذ أذكر بأن غالبية المقترحات والتوصيات التي سبق للهيئة المركزية أن تقدمت بها في إطار تقريرها السابق برسم 2009 لم تعرف بَعْدُ طريقها نحو التفعيل، فإنني أجدد التأكيد على أن التوصيات والاقتراحات الواردة بالتقرير الحالي تشكل مفاتيح من شأنها، إذا تضافرت الجهود لتفعيلها، أن تنهض بسياسة الوقاية ومكافحة الرشوة بما يتجاوب مع انتظارات المواطنين، ويساهم في التنزيل العملي للمبادئ الدستورية في هذا الشأن، ويضمن التفاعل الإيجابي مع المواصفات المتعارف عليها عالميا في هذا المجال.

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته”.


Read Previous

بالفيديو: عرب أيدول.. حلم النجومية يحط بالدار البيضاء‎

Read Next

المرأة الذكية بالفطرة هى التي تختار الرجل العصبي والمزاجي