عدالة الإرث ووضع الأنثى والذكر في الواقع الثقافي المغربي

بقلم الدكتور: ادريس البوخاري

*متخصص في العلوم الإسلامية والحديث والفقه والقانون الوضعي

خريج دار الحديث الحسني

من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن يجد منا هاديا مرشدا خصوصا عندما تتباين على البعض من ما يدعون المعرفة بالمواثيق الدولية وغيرها ويجهلون الآيات القرآنية المحكمة التي تتحدث عن الارث ومفاصيله والتي لا يزيغ عنها الا جاهل ، وهي من آيات الله تعالى سبحانه.

المواريث في البداية يجب أن يعلم الجميع هي من الحقوق الربانية الواجبة على كل مسلم وتناولتها النصوص القرآنية الكريمة وبعض الأحاديث النبوية الشريفة وشرحها عدد مهم من العلماء المسلمين وصارت عليه المجتمعات الاسلامية جيلا بعد جيل عبر الأزمان وفي مختلف الأكوان كلها وتحتاج للتذكير والتوعية بها في كل مكان وعلى جميع المواطنين .

ونظرا لحقد بعض المنافقين والكسالى المقلدين للعلمانية من أغراهم الإرث فاستعجوه ويسعون للانقضاض عليه كرها ، فبدؤا يقدمون عجزهم ورغبتهم في ازدواجية الأنصبة المتعارف عليها في الدين ، وليس فيها من حرج مادامت تنسجم وتتناغم مع حقوق المحددة في الدين ولا تتنافى مع الحقوق المخولة لهم .

فقد استرعى انتباهي الخلط الذي وقع فيه البعض على بعض الأنصبة المتعارف عليها حقا في القرآن الكريم من ملاحظات على ما ورد على لسان بعض العناصر القيادية في بعض الأحزاب ومن طرف بعض المؤسسات الحقوقية ومن طرف بعض العلمانيين والمسيئين لانتمائهم المجتمعي والأسري ولدينهم الذي ارتضاه الله والنبي المصطفى عليه الصلاة والسلام، والقائلون بأنهم يقدمون بأدوار وأعمال أكثر في الإنفاق على أفراد الأسرة ويساهمن في تربية إخوانهم وأفراد أسرهم من الذكور وبالتالي يدعون أنهم طبقا لذلك يحتاجون إلى أكثر من ذلك لذلك العمل وتلك الأعمال ولا يفرقون بين المساواة والمساواة في الإرث التي تختلف عن غيرها من تلك المساواة في الحقوق العملية والإنسانية .

أما أسباب تلك الخرجات ودواعيها وأهدافها ودوافعها ومعانيها وخلفياتها فقد تأتي لأسباب مختلفة وعديدة لا تليق بأناس لا يعرفون القرآن ولا الأحاديث النبوية ولا يصلون ولا يؤدون الزكاة ولا يريدون أداء صلاة الجمعة ولا أداء فريضة الحج لأسباب واهية ويصنعون الأقاويل وليسوا من أهل العلم والفقه والحديث وليسوا متخصصون وليسوا من رجال الدين لذلك وجب القول بأن الميراث من المنظور العام والخاص هو جامع وشامل ومانع يتضمن المساواة المطلقة فيه .

إن من أوصى بمغالطة المجتمع بمساواة غير ذي موضوع الذكر والأنثى في الميراث المستنبطة من القرآن التي يتدين به أكثر من مليارين من البشر، وقد أثارت البلبلة والفوضى والشك في نفوس المسلمين.

القرآن والحديث النبوي الشريف أساس التعبد في الإسلام به أنزل الحق سبحانه وتعالى العبادة وهو الذي قسم الحقوق بقدرها ووضع الأحكام بكاملها ، قائلا في محكم كتابه : ( إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء (5) هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء لا إلاه إلا هو العزيز الحكيم(6) هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات ،فأما الدين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله ،والراسخون في العلم يقولون آمنا به ، كل من عند ربنا ، وما يذكر إلا أولوا الألباب(7) سورة آل عمران ،الآية: 5 و6 و7 .

من أكثر المسائل التي يساء فهمها بالنسبة لوضع الأنثى في الإسلام التباين بين الجنسين في شؤون الميراث والحجة التي تستخدم دائما هي أن الذكر يحصل على ضعف نصيب الأنثى في الميراث ويقول ربنا عزل وجل في محكم تنزيله:( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ، وهب لنا من لدنك رحمة ، إنك أنت الوهاب )سورة آل عمران،الآية: 8.وهكدا يتبين أن الإسلام دين ودنيا وهو منظومة ربانية محمدية متكاملة .

ويستخلص بعض النقاد من هدا أن الأنثى في الإسلام أقل قيمة من الذكر ويستشهدون بالقرآن الكريم مقتصرين على ذكر عبارة  واحدة من آيات الميراث بسورة النساء وهي العبارة التي تنص على أنه : ( للذكر مثل حظ الأنثيين ….) سورة النساء الآية 11 . وهده العبارة تنتزع انتزاعا من النص الكامل للآيات المتعلقة بالميراث من سورة النساء ، بينما يجب فهمها في ضوء بقية هده الآيات التي تشكل صلب قانون الميراث في الإسلام فهده الآيات مجتمعة تعطي نظرة أكثر واقعية للقانون ، ويستخلص منها أن الأنثى قد ترث نصيبا مساويا للذكر في بعض الظروف وأكثر في ظروف وأقل في ظروف أخرى ، بمعنى أن الإرث ينقسم على العموم إلى ثلاثة ، ثلث ترث فيه الأنثى أكثر من الذكر وثلث ترث فيه الأنثى أقل من الذكر وثلث تتساوى فيه الأنثى مع الذكر .

إن الإسلام والمسلمين هم أول من أعطوا الأنثى حق الميراث فلم يكن للمرأة قبل الإسلام أي حق في الميراث بل إنها هي نفسها كانت تورث فكان من المعتاد أن يرث الابن مثلا زوجة أبيه وعلى هدا فإن الإسلام هو الذي أوجد حق الأنثى في الميراث فقد جاء في القرآن الكريم : ( للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو أكثر نصيبا مفروضا ) سورة النساء ، الآية : 7 .

وبهدا تقرر المبدأ ، أما حجم الأنصبة فقد يختلف طبقا للملابسات في كل حالة وبعبارة أخرى هناك تباين حسابي في كلا الجانبين حسب الظروف والمسؤوليات ، ولتقرأ معي الآيات التي تمثل النص الكامل لأنصبة الميراث للذكر والأنثى .قال الله تعالى : ( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ، فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك ، وإن كانت واحدة فلها النصف ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس من بعد وصية يوصي بها أو دين آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا فريضة من الله إن الله كان عليما حكيما (11) ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصي نبها أو دين ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين ،وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من دلك فهم شركاء في الثلث من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار وصية من الله ، والله عليم حليم(12).) سورة النساء ، الآية 11 و12 .

إدن فالآية الأولى وهي بيت القصيد وهي التي قال فيها الله تعالى سبحانه : ( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين …..) من سورة النساء ، الآية 11 وهده الآية كما يعلم علماء الأحكام بأنها تتوافر على حكمين ، ولا توجد آية قرىنية مثلها متوافرة على حكمين، أي لا يوجد مثلها في القرآن الكريم كله من حيث توافرها على حكمين . وأحكامها هما ، كما يلي :

– الحكم الأول، هو حكم الوصية الالهية حيث يأمرنا الله سبحانه وتعالى في شأن أولادكم بما يذكر ( للذكر )منهم ( مثل حظ) نصيب ( الأنثيين ) إدا اجتمعتا معه ، فله نصف المال ، ولهما النصف .

– الحكم الثاني ،حكم القسمة الربانية ، حيث يأمرنا الله سبحانه وتعالى في شأن أولادنا بما يذكر ( للذكر )منهم ( مثل حظ) نصيب ( الأنثيين ) إدا اجتمعتا معه ، فله نصف المال ، ولهما النصف .

ومن الواضح تماما تراوح نصيب الذكر بالنسبة لنصيب الأنثى ، فقد يكون أكبر منه أو مساويا له أو اصغر منه ، ويعتمد دلك التراوح على الظروف والملابسات في كل حالة كما يلي :

أولا : أنصبة أكبر للذكور : يحصل فيها الابن على ضعف ما تحصل عليه أخته إدا كان المتوفى هو والدهما :”  للذكر مثل حظ الأنثيين “.

ثانيا : أنصبة متساوية : تحصل فيها الأنثى على نصيب مساو لنصيب الذكر إدا كان المتوفى هو ابنهما:” ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد”.

وتتساوى الأنصبة كذلك في ميراث الكلالة أو القرابة البعيدة :” وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس “.

ثالثا :  أنصبة أكبر للإناث : تحصل الأنثى إدا كانت ابنة المتوفى على نصيب أكبر من نصيب جدها ” وإن كانت واحدة فلها النصف ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك ، غن كان له ولد”.

وعلى هدا لا يمكن إطلاقا اعتبار قانون الميراث دليلا على قيمة الأنثى بالنسبة للذكر . ففي بعض الأحيان تنال الأنثى نصيبا أكبر من الذكر ، ولم يحدث أن أحدا اتخذ هدا أساسا لتقليل قيمة الذكر. والدين يستعملون قانون الميراث في الإسلام لتقليل قيمة الأنثى إما جاهلون أو يحرفون المعاني لتخدم أغراضهم المعادية للإسلام والمسلمين الدين يعانون من قساوة الاستعمار وصعوبات الحياة مند الفتح الإسلامي إلى اليوم ( الحروب والصراعات واختلاق المنازعات المجانية ) حتى يرد للمسلمين كل ما هو مسيء للعالم من تخلف ثقافي وحضاري، في حين أن المسلمين أبدعوا وأتقنوا وتفننوا في كل شيء . والواقع أن الإسلام اليوم يعرف موجات هائلة من التدين النقي الطاهر بادن الله والواقع أن الأنصبة الأكبر تخصص عادة لمن تكون مسؤولياتهم المالية أكبر ، ودلك حتى يتمكنوا من الوفاء بالتزاماتهم المالية .

ولنأخذ على سبيل المثال أخا وأختا من عائلة مسلمة : الأخ هو المسئول عن جميع الإناث بأسرته بما في دلك أخته ، وعندما يتزوج يقوم بدفع المهر وتحمل المسؤولية المالية لزوجته وأطفاله ، ومن ناحية أخرى عندما تتزوج أخته تحصل هي على المهر وتصبح تحت رعاية زوجها ماليا . وإن ظلت بدون زواج أصبح أخوها مسؤولا عنها ويبين الحديث الشريف التالي كيف جرى استخدام هده المبادئ الخاصة بالميراث فور نزول الآية الكريمة الخاصة بها .

” جاءت امرأة سعد بن الربيع بابنتيها من سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت : يا رسول الله هاتان ابنتا سعد بن الربيع قتل أبوهما يوم أحد شهيدا ، وإن عمهما أخد مالهما فلم يدع لهما مالا ، ولتنكحان إلا بمال ، قال : يقضي الله في دلك فنزلت آية الميراث . فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عنهما ، فقال أعط ابنتي سعد الثلثين ، وأعط أمهما الثمن وما بقي فهو لك”. حديث رواه الترميدي .

في هدا المثل حصلت كل ابنة على نصيب يزيد عن المرة ونصف من نصيب عمها ، ودلك كالآتي:

الابنتان 3/2 = 24/16 من الميراث

والأم 8/1 = 24/3 من الميراث، أي أن نصيب الابنتين والأم = 24/19 فيكون نصيب العم هو 24/5

وتكون نسبة نصيب كل بنت إلى نصيب عمها   5/8  =   1,6  مرات .

Read Previous

الفقيه بن صالح: فريق طبي يتمكن من إعادة يد مبتورة لشاب بعد تعرضه لحادث اعتداء

Read Next

الدار البيضاء: مساومات في عملية إيواء قاطني دور الصفيح